نبحث عن الإرادة، نستجمعها في الروح، لأجل تحقيق المنجز الإنساني على مختلف الصعد، والإنسان منذ بدء الخليقة وهو يبحث ويطرح الأسئلة لعله يفوز بنجاح يحقق له ذاته ويؤكد وجوده.
في البدء قال ديكارت إن الفرق بين الإنسان وسائر الكائنات الأخرى، هو التفكير، كون الإنسان يفكر ويخترع ويستدل على حاجاته الإنسانية بالعقل.. وبعد حين من الزمن، نقضت هذه النظرية وجيء بأخرى على يد جان جاك روسو، الذي أثبت بالتجربة إن الإرادة وليس التفكير عامل الفرق بين الإنسان وسواه، وجاء بقطة ووضع أمامها حزمة حبوب، ثم جاء بحمامة، ووضع أمامها قطعاً من اللحم.. نفقت القطة كما نفقت الحمامة، لأنهما لم يمتلكا الإرادة في تغيير ما جبلت عليه..
فالقطة آكلة اللحوم لم تتجرأ على كسر حاجز الفطرة، وكذلك الحمامة آكلة الحبوب لم تجسر على تغيير ما آلت عليه مكوناتها الفطرية.. بينما الإنسان عندما يحس بالجوع فإنه يستطيع أن يتدبر أمره، بإرادة ذاتية، ويأكل ما باستطاعته أكله فيحافظ على نوعه.. ولكن الإرادة بحد ذاتها لا تكفي حيث تختلف الإرادات من فرد إلى آخر، فجاء نيتشه بنظرية إرادة القوة، أي أن الإنسان يتميز عن سواه بالإرادة التي تجمع عناصر القوة الداخلية، ما يجعله يمتلك قدرات هائلة لا تملكها الكائنات الأخرى.
وإذا كانت هذه هي الفروق بين الأفراد، فإن نفس الفروق الفردية، تتميز بها المجتمعات والإنسان، فهناك مجتمعات يحتلها الإحباط، ويسطو عليها هزال الإرادة، ما يجعلها متخلفة، واقفة عند نقطة الصفر، بينما مجتمعات أخرى امتلكت زمام المبادرة، وتحلت بإرادة القوة المتجمعة من عناصر وعي داخلي، فتجاوزت ذاتها وحققت إنجازات مذهلة، في أزمنة قياسية، فلو ضربنا مثلاً باليابان نجد الإمارات تحاذيها في الصعود نحو غايات التقدم، وفي زمن يسابق الريح، لأن الإرادة في بلادنا بنيت على أساس الوعي بأهمية الاقتناع بأن الإنسان قادر على تغيير ظروفه في أصعب الحالات، والتحول من حالة الفاقة إلى حالة الاستفاقة، وتحقيق الطموحات بنفوس راضية مطمئنة مستقرة.
ما حققته الإمارات من إنجاز حضاري مُلفت بإرادة القوة، وبدون تنظير أو تأخير أو فلسفات، ارتدت ثياباً مزركشة أغشت وأصابت بالعمى، وبدون جدوى كانت مجرد جعجعة من غير طحين، ونحن عندما نقرأ المشهد في الإمارات نشعر بالفخر برجال أسسوا واجتهدوا ونجحوا وأبهروا العالم بما قدموه من انجازات يُضرب بها المثل في عالم اليوم.
عالم لا يحترم إلا الأقوياء، ولا يُقدر إلا الناجحين والمثابرين من أجل مستقبل إنساني مضيء.


marafea@emi.ae