كنت جالساً إلى مكتبي أحلّق في الحائط المواجه، وكنت أنوي الكتابة، ولكني قبل أن أبدأ تعلّق نظري بإطار فيه صورة فوتوغرافية تجمعني وكمال أبو ديب وعبد السلام المسدي. الصورة ترجع إلى عام تقريباً. وكنت قد تعرفت على كمال أبو ديب عن طريق مقالاته التي كتبها بالإنجليزية عن الشعر الجاهلي. وقد أعجبت إعجاباً خاصاً بما كتبه عن معلقة لبيد. وكان من الطبيعي أن نغدو أصدقاء. وتوثقت العلاقة عندما جاء كمال إلى القاهرة واشترك في أحد المؤتمرات. وكان معه عبد السلام المسدي الذي أعجبت به عندما قرأت كتابه عن الأسلوبية، واكتشفت أن عددا لا بأس به من مفاهيم الأدب يصل بيننا، فتحولت العلاقة عن بعد إلى صداقة وصدرت مجلة “فصول” سنة 1980 فأصبحنا نحن الثلاثة من كتابها. وجزء من جيل جديد، أخذ يسهم في تغيير مفاهيم النقد الأدبي وممارساته التطبيقية مع بقية الأصدقاء الذين قدمتهم مجلة “فصول” للحياة الثقافية العربية منذ مطلع الثمانينيات. وتصادف أن كان صديقنا صلاح فضل يعمل مستشارا ثقافيا ومديرا للمعهد المصري في مدريد بإسبانيا، وأقام صلاح مؤتمرا عن طه حسين. وكنت قد أخرجت كتابي “المرايا المتجاورة” وهو قراءة في نقد طه حسين. وكنا نحن الثلاثة من المدعوين في المؤتمر. وأذكر أن أخانا صلاح قال: لقد تعمدت دعوتكم أنتم الثلاثة ممثلين للجيل الجديد من النقاد، ولكي تتعارفوا عن قرب. وبالفعل، قضينا أياما جميلة في مدريد ولم نكن نحن الثلاثة نفترق، إلى درجة أن بعض أساتذتنا أطلق علينا لقب “الفرسان الثلاثة” في إشارة إلى رواية ألكسندر دوماس الأب، وبالفعل كان يربط بيننا فكر متقارب، وأعمارنا متقاربة، ونتبادل الأفكار والأحلام، ولا نرى إلا معا، وإن لم تخني الذاكرة، فقد ذهبنا إلى توليدو. وقابلنا مصور محترف أصر على أن يصورنا نحن الثلاثة معا، فقبلنا ضاحكين، وأعطى المصوّر كل واحد منا نسخة من الصور. ومازلت محتفظا بالصور، وانتهى بها الأمر إلى أن توضع على أحد أرفف الكتب التي تحولت إليها جدران مكتبي الخاص. وها أنذا أطيل التحديق إليها وأرى الرشاقة التي كنا عليها. لم يكن لي “كرش” فقد كنت شابا في مطلع الخمسينيات، وكنت أرتدي حلة فاتحة اللون، دون رابطة عنق، وكمال يرتدي حلة تزينها رابطة عنق أنيقة، وعبد السلام كان مثلنا، ولكن يزيد عنا بمعطف فقد كان الطقس باردا. وأقارن بين ما كنا عليه من هيئة وما أصبحنا عليه الآن بعد ثلاثين عاما فأحمد الله على أن كل واحد منا قد حقق ما يرضيه علميا واجتماعيا. أما عن الشيخوخة التي أصبحنا فيها نحن الثلاثة، فلا أملك سوى أن أردد هذا البيت الشعري: يا للشباب المرح التصابي روائح الجنة في الشباب