أوصى الحارث بن كعب بنيه فقال: يا بني، قد أتت علي مائة وستون سنة ما صافحت يميني يمين غادر، ولا قنعت نفسي بخلة فاجر، ولا صبوت بابنة عم ولا كنّة، ولا بُحت لصديق علي بسرّ. وأوصى أبو الأسود ابنه فقال: يا بني، إذا جلست في قوم فلا تتكلم بما هو فوقك فيمقتوك، ولا بما هو دونك فيزدروك، وإذا وسع الله عليك فابسط يدك، وإذا أمسك عليك فأمسك ولا تجاود الله، فإن الله أجود منك. وقال بعضهم لبنيه: يا بنيّ لا تعادوا أحداً، وإن ظننتم أنه يضركم، ولا تزهدوا في صداقة أحد، وإن ظننتم أنه لا ينفعكم، فإنكم لا تدرون متى تخافون عداوة العدو، ولا متى ترجون صداقة الصديق، ولا يعتذر إليكم أحد إلا قبلتم عذره، وإن علمتم أنه كاذب، زجوا الأمر زجاً. وقال سعد العشيرة لبنيه عند موته: إياكم وما يدعو إلى الاعتذار، ودعوا قذف المحصنات، لتسلم لكم الأمهات، وإياكم والبغي، ودعوا المراء والخصام، تهبكم العشائر، وجودوا بالنوال تنم لكم الأموال، وأبعدوا من جار السوء داركم، ودعوا الضغائن فإنها تدعو إلى التقاطع. وقال هانئ قبيصة بن مسعود الشيباني يوم ذي قار يحرض بني وائل: الحذر لا ينجي من القدر، والدنية أغلظ من المنية، واستقبال الموت خير من استدباره، والطعن في الثغر خير وأكرم منه في الدبر، يا بني: هالك معذور، خير من ناج فرور، قاتلوا، فما للمنايا من بد. قال أكثم بن صيفي: يا بني تميم لا يفوتنكم وعظي إن فاتكم الدهر بنفسي، إن بين حيزومي وصدري لبحراً من الكلم، لا أجد له مواقع غير أسماعكم، ولا مقار إلا قلوبكم فتلقوها بأسماع صافية، وقلوب واعية، تحمدوا عواقبها: إن الهوى يقظان، والعقل راقد، والشهوات مطلقة، والحزم معقول، والنفس مهملة، والروية مقيدة، ومن يجهل التواني، ويترك الروية يتلف الحزم. ولن يعدم المشاور مرشداً، والمستبد برأيه موقوف على مداحض الزلل، ومن سمع سمع به، ومصارع الألباب تحت ظلال الطمع، ولو اعتبرت مواقع المحن، ما وجدت إلا في مقاتل الكرام، وعلى الاعتبار طريق الرشاد، ومن سلك الجدد أمن العثار، ولن يعدم الحسود أن يتعب قلبه، ويشغل فكره، ويثير غيظه، ولا يجاوز ضره نفسه. يقول أبو العتاهية: مَــنْ يعـشْ يكبرْ ومنْ يكبَرْ يمُتْ والمَنايـا لا تُبالــي مَـــنْ أتَـــتْ كم وكم قد درَجـتْ، من قَبلِنــا، منْ قرونٍ وقُـرُونٍ قَــدْ مضــــتْ أيّها المَغرورُ ما هـــذا الصِّبَــــا؟ لَوْ نهيـتَ النفْــسَ عَنْهُ لانْتَهتْ أنِسِيتَ المْــوتَ جَهْــلاً والبِلَــى وسَلَتْ نفْسُـــكَ عَنْهُ ولَهَـــــتْ نحنُ فـــــــي دارِ بَــــلاءٍ وأذًى، وشـــَقَاءٍ، وعَنَــــاءٍ، وعَنَـــــــتْ مَنْزِلٌ ما يَثبُتُ المَرْءُ بِهِ ســالماً، إلاّ قَليـــــــــلاً إنْ ثَبَــــــــــــتْ بينمَا الإنسانُ فِي الدُّنيــــا لَـــهُ حرَكـاتٌ مُقلِقــاتٌ، إذْ خَفَـــتْ أبَتِ الدّنْيَا علــــــى سُـــكّانِها، في البِلــى والنّقصِ، إلاّ ما أبَــتْ