نعم أنا مشتاق إليكِ حين المساء يمد يده المثْقَلة بالأساور والدماء، حين القَتَلة والسماسرة يتجولون طلقاءَ كعشّاق مرِحين، حين الكآبة ترخي سدولَها كخوف النابغة، أو ليل امرؤ القيس، والبشر البؤساء يأوون إلى قبور مليئةٍ بروث البغال. أشتاق إليكِ، أغالب فيكِ الشوقَ المتراكمَ منذ بدء الخليقة الأولى على هذه الأرض المترملة منذ: كهوف القدماء حتى ناطحات السحاب... أرى الحمير تجرجر أحمالها الثقيلةَ نحو القرية، حالمةً بقيلولة الظهيرة، أرى القطارات تستنفر عويلَها نحو المحطة الأخيرة. *** آراكِ هناك في المحطة، تتلفتين غريبةً بين غرباء، تنتظرين بزوغ القطار من أحشاء المسافة التي اصطبغت بلون الصفير المترّحلِ والنباح. بخطوات مرتبكة وثقيلة أمشي من السرير إلى نافذة الصالة وكأنما أميال أقطعها في الزمان المتجمد كصخرة قابيل، وقد كبرت مع الأيام. يأتيني صوتك، تغور الصخرة في شعابها السحيقة، فأمشي خفيفا مرحا كطائر استبدت به نشوة العاصفة، بعيدا عن السرب فضاع في حقولها، حقول صوتكِ الفسيحة... *** قرصانة الخيال وعلة الصدفة، استلم رسالتك هذا الصباح الذي يميل به الطقس نحو برودة زاحفة، وغيوم التلوث تحتل الفضاء والمكان *** (الرسائل كبسولات المنفى المهدئة، إذ المسافة أبعد مما تبدو على الخارطة، والانتظار صدأ يعلو تضاريس المكان، فراغك، لا شيء يكسره....)