في الفصل الثاني من الكتاب الممتع «متعة القراءة» للفرنسي دانيال بناك، يُجري أحد أساتذة اللغة الفرنسية استطلاعاً حول رأي للروائي الفرنسي جوستاف فلوبير(1821 - 1880) يتعلق بنصيحة قدمها فلوبير لإحدى المعجبات بأدبه ورواياته، تتمثل بقوله لها «اقرئي لكي تحيي» فجاءت النتيجة أن أيد الطلاب رأي الروائي، الذي حوّلوه بطريقتهم الخاصة إلى صيغة مثالية، كل حسب طريقته في التعبير، فكتبوا نحن في الحقيقة «نقرأ كي نعلم من نحن، كي نعلم ما يجري في العالم، كي نعرف الآخرين بشكل أفضل، كي نعلم إلى أين نمضي، كي نحافظ على ذاكرة الماضي، كي نضيء الحاضر، كي نكسب الوقت، كي نفرّ من الواقع، كي نبحث عن معنى للحياة، كي نمارس فكرنا النقدي…» لقد أعطوا أكثر من 19 سبباً ربما لما يمكن أن نطلق عليه سبب أو مبرر القراءة، هذه الآراء التي أوردها الطلاب، وجُلّها يحمل معنى دالاً ورأياً صائباً، وجملة حياتية مضيئة تستحق أن تقدم دائما لكل من يواجهك بهذا السؤال إذا نصحته بالقراءة: ولماذا نقرأ؟ اسرد عليه ما سرده دانيال بناك فربما أضاء له جوانب خفية لم يكن في وارد الانتباه لها أصلا، لأنه في التجربة التي يتحدث عنها كتاب «متعة القراءة»، حتى الأستاذ نفسه الذي أجرى التجربة مع الطلاب لتشجيعهم على القراءة تفاجأ بهذه الردود التي تتشابه مع آراء الفلاسفة والحكماء ! في الفصل الثاني كذلك يتذكر أستاذ آخر شيئا مما قاله «جان جاك روسو»حول تعلم القراءة التي تجره إلى نوع من القراءة تجلب لصاحبها السعادة، خصوصاً إذا كانت قراءة تشاركية، حين يتشارك صديقان مثلا في قراءة كتاب معين فهو حقاً سيسعدهما ويدلهما على ماذا أعطاهم هذا الكتاب، فيلخص هذا الأستاذ السعيد بالقراءة، نوعية وماهية تلك السعادة ويختصرها في المقاومة ! ماذا تعلمنا القراءة أن نقاوم؟ أو ما الأمور التي تساعدنا القراءة على مقاومتها أساسا؟ يقول الأستاذ: بالقراءة نعرف مقاومة «كل العوارض الممكنة، اقتصادية مهنية، نفسية عاطفية مناخية عائلية منزلية، قطيعية مرضية أيديولوجية أو نرجسية، وعلاوة على هذا فإن كل هذه المقاومات تقودنا لمحاربة الموت» فالقراءة الذكية بحسب تعبيره تنقذ الإنسان حتى من نفسه. يذكر لنا دانيال بناك مثالا حول المقاومة حين يتحدث عن فرانز كافكا الذي كان يقرأ لمحاربة مشاريع أبيه التجارية، أو مثل ذلك المؤرخ والناقد الأدبي والطبيب الغارق في قراءة مالارميه أثناء الاحتلال والسوق السوداء، وهنا تذكرت حديثا للأديب محمد المر الذي سرد يوما عن سر تعلقه بالقراءة فقال إنه كان يقرأ لمقاومة الملل ومرور الوقت حين يتركه والده لساعات في دكان صديقه بائع الكتب!