يعيش الاتحاد الدولي لكرة القدم «الفيفا» أياماً صاخبة، وحروباً متشعبة، لكنه كما عودنا، وكما يريده رئيسه الحالي جوزيف بلاتر، يبدو متماسكاً، ويبدو أنه ماضٍ في طريقه، بعد أن فوت العالم فرصة التغيير، وبعد أن جعل بلاتر «الطاقة الضيقة» التي كانت أمامه باباً واسعاً، نفذ منه باكتساح، ليظل على العرش، ويمسك في يده بمقاليد دولة الكرة حول العالم، وهي دولة غنية، ربما تفوق في ثرواتها ما لدى بعض الدول الفقيرة من ثروات، ويتحدى الثعلب السويسري، كل الأعاصير التي تعترض طريقه، ويتخلص من أي مأزق بأعجوبة، للدرجة التي تدفعك أحياناً عن التساؤل حول أسرار هذه الشخصية، التي تفعل حتى الآن ما تريد، فتقصي من تريد، وتقرب من تريد. وخلال الأيام القليلة السابقة، طرأت على السطح، الكثير من المشاكل والمعضلات، لكنها تمضي ويبقى “الفيفا” كرئيسه، غير عابئ بما يطفو على سطح الأحداث، ولعل أكبر الأزمات كانت فيما أثير حول مونديال البرازيل، والانتقادات التي وجهها “الفيفا” إلى بلاد السامبا، وتصاعدت عندما ارتفعت حدة الانتقادات من الأمين العام للفيفا، جيروم فالكه، الذي أكد أنه لا يوجد مستوى تحرك كاف، وأن الأمور لا تتقدم، والمنظمون يحتاجون إلى دفعة للأمام، ولا توجد فنادق كافية ولا إمدادات، الأمر الذي دفع البرازيليين لشن حرب ضروس على فالكه، لدرجة أن طلبوا صراحة ألا يأتي إليهم، بعد أن بات شخصاً غير مرغوب فيه، وعاد فالكه واعتذر، وفسر تصريحاته تفسيرات جديدة، وأكد ثقته في البرازيل وقدرتها على المضي بالمونديال للأمام، في تناقض غريب وعجيب، لكنه ينتمي إلى ذات التناقضات التي أشبعنا بها بلاتر من قبل. وفي غمرة الحديث عن تطهير “الفيفا” من الفساد، جاء ليكشف عن التحقيق في مباريات خاضتها جنوب أفريقيا قبل المونديال الأخير، وأن هناك شكوكاً حول التلاعب بنتائجها، فأصحاب الأرض كانوا «سيلعبون.. سيلعبون»، والبقية نستنتجها نحن، وعلى الرغم من أن الفيفا نفسه، هو من ينادي بالتحقيق اليوم، إلا أن حالة الفوضى التي كانت تعم أرجاءه حتى وقت قريب، هي التي فتحت الباب لكل ذلك وأكثر. وإلى المباريات الودية الدولية، وجه “الفيفا” بوصلة الحرب الجديدة، في رضوخ للكثير من الأندية الأوروبية التي أرهقها استدعاء لاعبيها لصفوف المنتخبات، ولو كان هذا الإرهاق لنا نحن، ما اكترث “الفيفا” ولا اهتم، لكنها أوروبا التي تداعب بلاتر بأنديتها تارة، وبرئيس اتحادها، الفرنسي بلاتيني تارة أخرى، فهي تشد الحبل، وهو يؤكد أن بلاتر «نظيف اليد»، وبين الشد والجذب، تسير دولة “الفيفا”، كما تُسيّر السياسة الدول، فلا تعرف ماذا يحدث ولا ماذا حدث، وإنما عليك أن تعلن الطاعة للقرار، ففي دولة “الفيفا”، لا زالت «تصفية» المعارضين بإقصائهم من المشهد شواهد للعيان بألا يتجرأوا يوماً على بلاتر ولا الاتحاد الذي أصبح ملكاً له وللأعضاء المقربين أكثر مما هو ملك للعالم. أحياناً وأنا أسأل نفسي عن سر هذه القوة، أدرك تماماً أنها نحن، ليس فقط لأننا نسانده، ولكن لأننا نصمت، ولأننا حين تلوح فرص التغيير في “الفيفا”، لا نرى سوى بلاتر ليستمر. كلمة أخيرة: “الفيفا” يدرك أن الاستثمار في المشاكل أنفع من “الهدوء” mohamed.albade@admedia.ae