الحيلة مثل السراب، تجعلك أكثر ظمأ، فتكشف عدم صدقك. المحتال إنسان ضعيف، شحت قدراته، فلجأ إلى الحيلة، كي يخفف من وطء إحساسه بالنقص.
المحتال كائن يسكن في العراء، ويظن أن السماء الواسعة، تكفي لإخفاء عيوبه. المحتال يذهب إلى الحياة، بأجنحة مزيفة، سرعان ما تتهاوى أمام ريح الحقيقة.
عندما ينكشف المحتال، يبدو مثل أرنب مذعور، وتختفي كل الملاءات التي أخفى تحتها أدوات نقصه، ولا يملك غير الإدانة، ليتخفف من عقدة الذنب التي تلازمه.
المحتال لا يكن، ولا يصمت وجيب قلبه، ولا يهدأ له بال، بل يظل يمعن في اختراع الحيل، لأنه لا يستطيع أن يعيش بدونها، فهي سلاحه الذي يشهره في وجه العالم، ليؤكد أنه شخص مهم.
الإحساس بعدم الأهمية، يدفع المحتال إلى المزيد من الاختراعات، والادعاءات، والتظاهر أمام الناس أنه يملك قدرات لا يملكها سواه، وعندما يفشل في تحقيق ما يريده، ينكص قليلاً، إلى مراحل طفولية، فيبدأ بالشكوى، والنجوى، وقد يلجأ إلى التظاهر بالضعف، لفترة وجيزة، حتى يتمكن من تمرير ما يريد تمريره من الحيل، بعدها ينتصب مثل الديك، ويصيح فخوراً بما أنجزه، ويحدق في وجوه الناس، ساخراً من سذاجتهم، ساخطاً عليهم، لأنهم صدقوا الكذبة، وأصبحت حقيقة.
المحتال يتصبب عرقاً وينز جسده بملح الدفاعات النفسية، عندما يشعر بتضييق الخناق حوله، ولكنه لا يبدي أي قنوط، لأنه يملك قدرات فائقة على تحمل الصدمات، أو أن حاجته إلى الاستمرار في تطويق الآخر يجعله مثل الصخرة الصلبة، تصد، وترد ضربات الموجة العارمة، حتى آخر نفس.
المحتال إنسان جاء من منافي تاريخ الكذب، وحط على الأرض، وهو خاوي الوفاض إلا من ذكاء مزيف، ابتاعه، من بيئة، ما انفكت في سكب كل ما لديها من حيل، لتصبح الحيلة، كالهواء والماء، في محيط ضيق يطلق عليه الأسرة.
إذن فالمحتال لم يأتِ من فراغ، بل هو نتاج بيئة، حانقة، خانقة، ضيقة الأفق لا يملك أفرادها، غير الحيلة للتخلص من السؤال الكبير من أنت؟ من أنت تبدأ من الصغر، وتلازم الإنسان حتى القبر، ومن لا يعرف الإجابة عنها، يضطر الدخول في أقفاص الحيلة، حتى يحمي نفسه من الشعور بالضعف، والهوان، وعدمية القدرة على مواجهة الأحداث الحياتية، بصيغة الضمير الحاضر، فيكون الضمير قد غط في السبات، ويكون صاحبه، يلتقط المحارات الفارغة، ليقول إنها تخبئ في داخلها الجواهر النفيسة.