في مؤتمر أصدقاء سوريا حضر الأصدقاء وغابت المعارضة بخلافها واصطفافها، والتفافها حول أجندات مختلفة غير متآلفة. ما يجري في سوريا عنوانه الحريق الهائل والتمزيق المذهل أو التحديق بعيداً عن موطن الخطر، ولا يشعر بفداحة المعضلة سوى الشعب الذي تقع سقوف المباني على رؤوسه، والمحاصر بين جدران متهاوية، لا يذوق الطعام ولا المنام، ولا يعرف من الأحلام غير كوابيس الخوف والتوجس من الآتي. هناك ثورات قامت في جميع أنحاء العالم على مر الزمان وفي كل ثورة كانت هناك أطياف ووجهات نظر، وألوان من التفكير والتفكر، ولكن كل هذه الفسيفساء كانت تجتمع على قواسم مشتركة من أجل تحقيق الهدف الأهم والأسمى، الذي تشترك فيه جميع مفاصل الجسد الواحد، ولكن عندنا نحن العرب فالأمر مختلف، لأن أغلب معارضاتنا تعمل من أجل خالف تُعرف، ولا يهمها إن غرق المركب أو احترق الحطب، وفي مؤتمر تونس حضر بعض المعارضة وغاب بعضها، والكل يتهم الكل بالخيانة وعدم صون الأمانة، تاركين الأغنام ترعى، والنار تسعى، ولن يستطيع أحد أن يبتر رأس الأفعى، لأن العصى لم تزل متفرقة، والإرادات متمزقة، والأهداف غارقة في نوايا ورزايا وأهواء وأنواء في الوقت الذي تنام فيه سوريا بأكملها على صفيح تصليه النيران.
في سوريا معارضة تريد الحل السياسي، وأخرى تصبو إلى العسكري، وثالثة بين البينين، ورابعة حزمت أمرها وحملت السلاح الخفيف وبادرت في المواجهة، ولكن كل هذه التنوعات في الرأي إن لم تصب في وعاء واحد، وإن لم تتخل المعارضات عن التخوين وتلوين الأشياء بحسب ما تراه هي، لا بحسب ما هو موجود على الأرض فإن سوريا ذاهبة إلى المجهول، سواء بوجود النظام الحالي أم بزواله، لأن ما هو موجود على الجبين تكشفه العين، وجبين بعض المعارضة يبدو أنه مملوء بالغضون، منسحق تحت تجاعيد اللاءات اللامنتهية واللامتناهية، بعض المعارضات تريد أن تلعب بمفردها في الساحة السورية حتى وإن خسرت كل شيء، وحتى وإن احترق كل شيء، المهم ألا يشاركها أحد في الحصة الكبرى. إذاً ما نعيب به النظام نرتكبه نحن - أقصد المعارضة السورية والديمقراطية - التي تريد المعارضة أن تنتزعها من النظام، لا تريد أن تمارسها مع غيرها، الأمر الذي يجعل من الإحساس بالتفاؤل أمراً مشكوكاً فيه، فحتى نتفاءل لا بد من مقومات تدخل إلى قلوبنا هذا القالب الثلجي، ومن الممارسات الواقعية لا نرى أي بادرة تبشر بخير، واستمرار المعارضة بهذا النهج، وهذه اللهوجة والعجيج والضجيج، فإنها تذهب بالجميع نحو أعماق الهاوية، وتقود القافلة السورية نحو يباب واحتراب، وحساب عسير يأكل الأخضر ولا يترك اليابس. ما تفكر فيه المعارضة السورية هو تفكير بدائي لا يخدم للشعب السوري قضية، ولا يفيد الديمقراطية المدعاة، ولا ينقص من العثر ولا يقلل من مأساة السوريين الذين باتوا لاجئين بعد أن كانوا يأوون اللاجئين.. والله المستعان.


marafea@emi.ae