أخيرا، أطل علينا السيد أوباما بعد ثلاث ساعات من الانتظار الطويل ودخل الرجل إلى منصة الخطابة، في مقدمة المسرح، رشيقا، ممتلئا بالحيوية والثقة وبدأ في إلقاء خطابه الذي واجه أهم إشكالات العالم الإسلامي، والتحديات التي يطرحها على أميركا، فتحدث عن إيران، وعرّج منها على مشكلات التطرف والأصولية التى لن توقف الولايات المتحدة عن حربها، وكان من الطبيعي أن يتعرض للعراق، مؤكدا أن العراق كأفغانستان، كان على الولايات المتحدة أن تدخل إلى حرب فيها، بعد أحداث 11 سبتمبر، ولم ينته تأكيده أن الولايات المتحدة، لا تهدف إلى البقاء في العراق، فهي سوف تترك العراق في موعد أقصاه 2011، أما أفغانستان فلا خروج إلا بعد ضمان انتهاء الأثر التدميري للقاعدة التي لا تزال مؤثرة بالسلب على المنطقة. وكان ذكيا عندما أكثر من الإشارة إلى دعوة التسامح التى يتضمنها الإسلام، وعظمة تاريخه الذي وصل بالتقدم العلمي إلى أقصى مدى ممكن في زمنه، وبالطبع لم ينس الديموقراطية التي لم يكن فجًا في الحديث عنها مثل بوش بحماقته المعهودة، وأوضح أن أميركا لن تفرض نظامها السياسي على أحد، فالأمر متروك لكل دولة كي تصل إلى تحقيق الديموقراطية بطرقها الخاصة، وحسب طبيعة أوضاعها، لكنه أكد أن بلاده مستعدة للمساعدة في هذا الجانب. وكان لابد أن يقوده الحديث إلى الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية التي هي حجر الزاوية في الإشكال، وأعلن أن دولته مع حل وجود الدولتين، وكانت صراحته جارحة حين أكد العلاقات التاريخية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وأنها لن تتخلى عن إسرائيل ولا مساعداتها، لكنه في الوقت نفسه، تحدث عن معاناة الفلسطينيين، وعن ضرورة مساعدتهم على إقامة دولتهم المستقلة، وأن على إسرائيل أن تتوقف عن بناء المستوطنات وترجع إلى المباحثات، ولم يفته الإشارة إلى «حماس» التي طالبها بعدم الاعتداء على الأبرياء، مؤكدا أن العنف لن يؤدي إلى حل، وأن تاريخ مقاومة السود للاضطهاد الأبيض لم ينجح بسبب العنف، وإنما لعوامل أخرى، منها وأهمها المقاومة المدنية. ومن فلسطين إلى مشكلات الأقليات التي جعلته يضع أقباط مصر في وضع مواز لموارنة لبنان، وهو أمر أدّى إلى همهمة الكثيرين، لكن الرجل كان يقرأ خطابا أعدّه خبراء البيت الأبيض، وواضح أن رؤية هؤلاء لمظاهر الاحتقان الطائفي في مصر هو الذي دفعهم إلى هذه المقارنة التي أرجو أن تثبت الأيام عدم صوابها، وقاد حديث الأقليات إلى وضع المرأة المسلمة وضرورة رفع التمييز عنها، ومنحها حقوقها كاملة، وقد دفع ذلك النساء الحاضرات للحماسة والتصفيق، ولاحظ أوباما ذلك، وارتجل جملة تؤكد أن هذه الحماسة النسائية دليل على صحة دعواه، وكانت النهاية من نصيب المستقبل الذي أكد أوباما أن وعوده الإيجابية لن تتحقق إلا بأمرين؛ تطوير الإبداعات والاختراعات وتشجيعها إلى أبعد مدى، وكذلك تطوير التعليم وتوسيع آفاقه، كي يتناسب ورؤى المستقبل الذي لا حد له، ولم يقصّر أوباما في الاستشهاد بالكتب المقدسة، وأكثرها القرآن، وأقلها التوراة، وما بينهما العهد الجديد، وكان تصفيق الجمهور يتكرر كل دقائق مع كل إشارة توافق هوى الحضور، وهو أمر أزعجني، فقد كان يعوق التركيز والاستماع إلى الخطاب في تمعن، يوازي التركيز الذي كتب به الخطاب، ولم يتعارض مع شمول مجالاته.