دائماً أحرص على زيارة «مقهى منّور» الواقع على خور رأس الخيمة القديمة «البحر الصغير»، وذلك في شكل زيارات متقطعة للاستمتاع بسوالف الشواب والشباب من أعضاء المقهى الدائمين، وشرب الشاي «السنقيلي» المميز من يد «مجيب»، أحد الآسيويين العاملين على خدمة زبائن المقهى، ولا أدري ما هو السر الذي يجذبني إلى هذا المكان الذي تأسس في أواخر خمسينيات القرن الماضي على يد محمد عبد الرحيم كندر تحت مسمى قهوة «أم شرباك» سوى أن المكان شهد تفاصيل حياة أهالي رأس الخيمة القديمة باعتبارها مركزاً لتبضع وتجارة الأهالي في ذلك الوقت «سوق العرصة»، كما أن المكان يعتبر حلقة وصل، ومكاناً لالتقاط الأنفاس، وهي طبيعة المقاهي في الخليج، وكان يربط أهالي رأس الخيمة جميعهم باعتبار أن المكان ضم وسيلة المواصلات الرئيسية عن طريق البحر «العبرة»، التي تنقل الأهالي من وإلى البر الثاني «المعيريض»، قبل تشييد جسر رأس الخيمة في أواخر السبعينيات من القرن الماضي. ورغم تعدد المقاهي الفاخرة في الإمارة إلا أن مقهى منّور يشهد غالبية رواد المقاهي بخصوصيته التي يتفرد بها عن بقية المقاهي، ففي هذا المكان تحديداً تشتعل الحكايات، وينساب الكلام من الكبار بصورة تجعلك مضطراً لتنصت إلى ما يقولون. في «منّور» يمكنك اكتشاف أدبيات علم «الميثولوجيا» من خلال ما يطرح من أساطير محببة إلى النفس مهما كانت درجة دقتها، فعلى مر الزمان ارتبط ارتياد المقاهي بالحكايات التي يتناقلها الرواد الكبار ومنها إلى الشباب، وتستطيع أن ترصد ذلك في الأدب الروائي العربي، حيث ارتبط المقهى في الذاكرة العربية تحديداً بالقصص، فقد كان المقهى في السابق وسيلة نقل الأخبار شفاهة قبل اختراع وسائل التواصل من إذاعة وصحف. إن عشاق المقاهي في رأس الخيمة يعرفون قدر هذا المقهى الذي يعتبر ملتقى لكل فئات المجتمع، فمن السهل أن تلتقي في هذا المكان المشبع بعبق التاريخ، المدرس، والضابط، والصحفي، والمتقاعد، والصياد، وكل فئات المجتمع. ولا أتخيل أن يأتي يوم على رأس الخيمة دون هذا المقهى الذي بات في حاجة ماسة للإحلال، بعد أن تداعت جدرانه. فهل تمتد يد الرعاية لهذا المكان الذي تحكي جدرانه وأروقته قصصاً من التراث الشعبي وصفحات من تاريخ رأس الخيمة؟