دائماً أتساءل: لِمَ لا تمنح الدول راتباً تقاعدياً للأمهات على خدماتهن الجليلة، وتضحياتهن الكثيرة، وصبرهن وتربيتهن، ومساهمتهن في تعليم الأبناء؟ حيث يأخذن جانباً من مسألة التعليم مع المدارس، هذا غير من يفقدن فلذات أكبادهن في ميادين الشرف وخدمة الأوطان، المرأة من سن العشرين حتى سن الأربعين ويزيد تعمل ضعف الرجل، وتستهلك طاقاتها ونضارة جسدها، وقد ترمى بعد كل هذه الخدمات العظيمة إما بطلاق من بعض الأزواج أو بعقوق من بعض الأبناء، فلِمَ لا تسن الدول لهذه الأم بعد الأربعين أو يزيد راتباً تقاعدياً تستحقه بجدارة؟ فالتي أنجبت للوطن عشرة رجال أو التي رزقت بالبنين والبنات ليست مثل امرأة لم تعرف وجع الولادة ولا تربية الأبناء ولا أخذت دور الأم في المجتمع، فلنعتبرها مثل أي موظف بسيط، مهمته في الحياة مراقبة الحضور والغياب، وهل من الإنصاف أن يأخذ هذا الموظف الذي يمكن أن يستغنى عن خدماته غير الضرورية معاشاً تقاعدياً بعد نهاية خدمته غير المجيدة، ولا نتكرم على الأم لدورها الكبير في المجتمع، ورفد الأوطان بالنجباء، وغرس القيم في النفوس؟!
لو لم يكن للمرأة دور غير دور الأمومة لكفاها هذا شرفاً، وتقديراً عليه، فكيف إن كانت من المجالدات في الحياة، ومن المتحملات أعباء كثيرة لا تحصى من أجل استمرارية الحياة وسيرورة الطبيعة الإنسانية، ومن أجل بذرة صالحة في المجتمع، هذه الأم التي تظل قلقة طوال حياتها الوظيفية كأم، وتبقى قلقة على مستقبل أولادها حتى يتمكنوا من العيش الكريم، ربما بقيت حال الكثيرات قلقة على ما تبقى لها من سنوات خشية الإهمال والنسيان والعقوق، وهو أشد إيلاماً على النفس البشرية، وعادة ما يسرّع بدنو الموت.. في هذه السنوات المتبقية تحتاج المرأة كأم أن تحصل على راتب تقاعدي، وليس إعانة لكي لا تضطر أن تمد يدها أو تنشد أهل الخير أو تبقى وحيدة شبه منبوذة، ولعل القصص الكثيرة التي ترّج المجتمعات دليل وعبرة لنا، حين تُنسى الأم، وتضيع تضحياتها وتعبها، بسبب قلوب قاسية، لم يثمر فيها «التعب ولا التربية، ولا رضاعة حولين كاملين».
وظيفة الأم في المجتمع من أقدس الأعمال وأكثرها إيثاراً وتضحية، خاصة حين تتفرغ الأم لدورها، ناسية نفسها وعمرها، وجل حياتها لأولادها، لذا لا ينبغي أن نبخسها حقها، ونبخل براتب لتقاعدها.