بعض الأحلام أوهام، وكل الأوهام أضغاث تقودنا إلى الحفرة السوداء، ومن هناك تنبت الكذبة والسقوط المريع.
بعضنا قد يستسهل الولوج في بحار أسماكها من خزف قديم، ألوانه براقة، وهيكله ناتئ ومهترئ، عندما نمد له أيدينا يتكسر آحاداً، وتتفرق أشلاؤه إلى طرائق قدد.
نحاول بطرقنا الملتوية أن نجمع الفتات، وقد نضطر لأن نكذب، ونتخذ من الحيلة وسيلة، للخروج من المأزق ولو بربع رغيف، ولكن لا حيلة، أمام ما هو لا شيء.
فليس في الفراغ سوى غبار خيول ارتجفت مفاصلها من أثر الهرولة، وليس في السراب سوى غشاوة نفس أجهضها العويل، ومحاولة ترتيب قصاصات ورق طائرة في الفراغ.
عندما تصبح الأحلام أوهاماً، فإنها تقبض على الروح، وتحولها إلى طائر سجين، يحاول أن يفر، ولا يستطيع، فيضرب بمنقاره في اللاشيء، فتدميه الأسلاك الشائكة ويضرم اليأس نيرانه في صدره، يتحوَّل الطائر إلى مجرد فكرة وهمية بلا معنى، تتحول الفكرة إلى خرافة تزور المتوهم ساعة عجزه، وانهيار جسور المودة بينه وبين الواقع، يصبح المتوهم بعضاً من رماد عصور ما قبل التاريخ، ويصبح التاريخ شيئاً من بقايا عظام نخرة، وتصبح العظام أشجاراً، نامت جذورها في أرض مالحة.
ولكن ليس كل الأحلام أوهاماً، إنها حين تلامس مهجة الواقع، تبدو مثل وردة زاهية بالعطر، واللون، تصبح مثل أهداب الشمس، تأتيك كي تضيء طريقك، وكي يصبح الطريق مضاءً بمصابيح الحقيقة.
الحقيقة هي أنت، فاذهب في الحلم إلى حيث تنسجم أنت وهو، اذهب في الحلم إلى حيث تقطف أزهار اللذة، وتذوق الرحيق دون أن تنتظر ماذا سيحدث غداً أنت لا تملك إلا يومك، فانصرف إليه، وأنت بوشاح الثقة، توجه إليه وأنت متوج بالحلم الزاهي من غير بثور، اذهب واحتلب نياق الوعي من دون رجيف، أو وجيف، واعتنق عشق الحياة بعفوية، وادخل الورطة اللذيذة، بقلب ملؤه مياه النهر الصافية، فأنت المعني بهذا الوجود، وعليك أن تصون الأمانة، ولا تلتفت للضجيج، إنه يميتك، ويجعلك قماشة مرقعة، وبلا لون، إنه ضجيج الذاكرة المثقوبة، والوعي المغشي عليه، اذهب واستمتع بالحلم، ودع الوهم يمضي أدراج الرياح، ولا تمتقع، ولا تمتنع، ولا تتقيأ أفكارك، بل اصنعها كي تتجدد أنت، وتولد أمنياتك مثلما تولد بتلات الزهور في الأكمام.
علي أبو الريش