كلما فكرت في رواية «آلة الزمن» للكاتب البريطاني هـ. ج. ولز، أجد نفسي أعبر سريعا على إمكان اختراق الزمن والسيطرة عليه، والسفر فيه إلى الأمام أو إلى الوراء، وهي فكرة بالغة الطرافة، وتكون سببا لتوليد مفارقات رائعة، بديعة. تخيل نفسك عدت إلى الوراء قرونا عديدة جدا، تجاوز آلاف السنوات كي تشاهد الحياة البدائية، وتحيا في كهوف مثل إنسان الكهوف، أو تعبث بأزرار آلة الزمن، كي تصل إلى زمن كليوباترا، وتشاهد حيلة هذه الملكة الجميلة الرشيقة، عندما أمرت خادمها، أن يضعها داخل سجادة مطوية، ويحملها إلى بلاط يوليوس قيصر الذي ما إن فض السجادة حتى وقع في غرام كليوباترا، واشتعل بينهما الحب من أول نظرة، ولا تكتفي بذلك فتسرع من إيقاع الآلة لتصل إلى مشهد معرفتها بمارك أنطوني الذي اندفعت إلى حبه كما اندفع إلى حبها، وتنازل في سبيلها عن الكثير، فلم يكن له من هم سوى إرضائها، رغم ما قيل إنها كانت تستغله، وأنه ظل أسير هواها، لا يعصي لها أمرا، إلى أن انتهى به الأمر إلى الدمار وقادت نهايته الحبيبة كليوباترا إلى إدراك ألا حياة لها بدونه، فتقرر الانتحار، فتموت وهي توصي أن تدفن إلى جوار حبيبها. تخيّل أنك تستطيع أن ترى ذلك كله بواسطة آلة الزمن على الأقل سوف تعرف قبر كليوباترا ومارك أنطوني الذي لا يعرف أحدا من علماء الآثار أين هو إلى اليوم، في مدينة الإسكندرية ومن الممكن بالقدر نفسه، أن تعود إلى زمن الإسكندر الأكبر، وترافقه في غزواته، وتراه وهو يجمع النساء الفاتنات من حوله ومن يدري؟ قد يكون من نصيبك أن تظفر بواحدة منهن لكن أهم من ذلك سوف تقطع شك بعض المؤرخين باليقين، خصوصا الذين رموا الإسكندر بأنه كان على علاقة حب مثلية بأحد رفاقه الذين اختار واحدا منهم، جعله الأقرب إلى قلبه وجسده. كل هذا ممتع وجميل لأنه يرضي فضولنا عن الماضي لكن ماذا عن مستقبل البشرية هنا، لا يبدي هـ. ج. ولز ثقة بالإنسان، ذلك الكائن الذي رآه منطويا على نوازع الشر التي تنتهي إلى دماره ودمار الحضارة التي صنعها أو التي سوف يصنعها. عند هذا الحد، وكلما مضينا مع المستقبل، خلال آلة الزمن، يرى ويلز أن الإنسان يعود إلى طبيعته الأولى الوحشية، وأن الدافع الحيواني الذي ينطوي عليه في البداية، يهيمن عليه في النهاية، فيفرح فرح طفل شرير بالمخترعات المدمرة التي يخترعها، ولا يتردد في استخدامها كما لو كان طفلا مشاكسا، لا يكف عن اللعب بألعاب، قد لا يعرف أنها مؤذية، والمؤكد أنه لا يعرف لكن رغبة اللعب في ذاتها، وفضول معرفة ما يؤدي إليه اللعب ينتهي إلى الكارثة، ومن ثم إلى دمار كل الحضارة التي أفنى عمره ليصنعها.