أنت والأبناء في وضع الثابت والمتحول، في النسخة المتأخرة والنسخة المتقدمة، تكونون في جمل تترادف فيها المفردات، وتتقاطع، وتتشابك، وتختلف إلى حد التناقض. تكونون مثل خطين متوازيين لا يلتقيان مهما امتدا، ومهما مد الحب ذراع الخنوع، والخشوع، تكونون في النهر أعشاباً تتنافر ألوانها وأشكالها، ولغة محاكاتها مع الماء.
أنت والأبناء تذهبون في طريق آخره توجد أعمال حفر، وتغيير المسارات، وتعديل إشارات المرور، وخطوط تبدو مضاءة بألوان بعضها باهتة، وبعضها لامعة، تكون وأنت لا زلت في الزمن المخصب، بينما، يعيش الأبناء في متحول الأزمان، والأطوار، وما بينكم شارع فسيح مزدحم بالعابرين والمشاة، تحاول أنت أن تبحث عن وجهك في وسط الزحام فلا تجد غير صورة شائهة، تحاول أن تتعرف على نفسك بينهم، فلا تعرف غير زمنك الذي مضى، وأنت في الزمن، تطرح أسئلتك، القديمة، فتتلقى ابتسامات باهتة، لا تعبر عن شيء، ولا تفضي إلى شيء، تشعر بالضآلة، وأحياناً تبتئس وتشم في أفكارك رائحة نتنة، لكنك لا تريد أن تقول لهم إنها رائحة ذاكرتك القديمة بل تصب اللوم وتكيل التوبيخ لواقع أنت لست منه.
أنت والأبناء أشبه بغرباء يسافرون على متن طائرة، إلى بلد ما، تجلسون على كراسي متقابلة، ومرصوصة ولكن لا أحد يفهم لغة الآخر، وعندما تود الاسترخاء، وتطلب من أحد الجالسين أن يفسح لك كرسيه، كي تأخذ قسطاً من الراحة، فلا تجد اللغة التي تسعفك كي تعبر عن مطلبك، فتضطر إلى استخدام الإشارة، وهذه أيضاً لا تجدي، مما يرغمك على البقاء في وضعك القديم، مع صعوبته، مفضلاً ذلك على رد فعل قد يحرجك. وما أن تهبط الطائرة، ويطلب من المسافرين مغادرة الطائرة، تشعر أنت بالتعب وقد تصلب ضلعك، وتجمدت قدماك، وغادر الجميع، ولم يبق إلا سواك، تجتر تعبك، وتمضغ ما تتقيأه الذاكرة من صور أشبه بعملة غير صالحة للتداول.
وبعد فوات الأوان تفتح عينيك وتجد نفسك في مكان آخر، وقد غادر المسافرون جميعاً إلى وجهتهم. تصبح أنت كملك مهزوم، لا يزال يستدعي الذاكرة، لملك مهدور، ويبعث الآهات حرى، ولا بديل له إلا التحول، حتى وإن بقيت في ملكه ذرة رمل، خير من فوات الأوان، والبكاء على غدر الأزمان.. نحن بحاجة إلى التحول لنبقى في الوجود أحياء.