أنت لا تغضب إلا عندما تصطدم بصخرة العجز. العجز صخرة لا يكسر صلادتها إلا كائن مرن، ومتسع الوعي، كائن تخلص من بقايا أعشاب تالفة غطت أزهار الحقل.
العجز بؤرة سوداء في العين لا تجعلك ترى العالم بوضوح. العجز تيار بحري عنيف، يسحبك مثل ذيل سمكة نافقة إلى أعماق تغرقك، وتسحقك، وتمحقك وتخفيك عن العالم. عندما تعجز عن الوصول إلى الشاطئ، تشعر بالغضب، وتلقي باللائمة على كائن آخر، وتعتبره العقبة التي سدت طريقك، وكبحت طموحك، وأغلقت الأبواب في وجهك. تغضب لأنك لا تملك غير الغضب.
الطالب الفاشل يغضب من ورقة الامتحان، ويتهم المسؤولين أنهم يضعون أسئلة غامضة ومن خارج المنهج، يمسك بالورقة الامتحانية ويطويها، ثم يرمي بها في وجه المراقب، الذي لم يترك له فرصة الغش من زميل له، أو من برشام خبأه في جيب البنطال.
الزوج الذي لا يستطيع تلبية مطالب الزوجة اللحوح، يغضب، ويتهمها بالجشع، وقد يصل الأمر إلى فراق ما بعده تلاق. الزوجة التي تشعر بالتعب، ولا تستطيع مجاراة الزوج في اهتماماته الاجتماعية تغضب وتوبخ الزوج، وتوصمه بالمراهقة المتأخرة.
الموظف ذو الإمكانيات المتواضعة، يغضب من المسؤول في العمل، ويصفه بالجبار والقاسي، والذي يفرض شروطاً لا معقولة، ولا مقبولة. العجز يأخذك إلى مناطق تتكسر فيها عصى موسى، ويخيب سحر فرعون، العجز يجعلك خارج منطقة الوعي، وبعيداً عن إدراك ما يجب إدراكه. ولكن لماذا يعترينا العجز أمام مهماتنا في الحياة؟ نحن نشعر بالعجز، لأننا لا نملك معياراً للطموح، وليس لدينا مقياس يحدد مستوى القدرة التي توازي مقدار الطموح.
نحن نذهب إلى العالم بكم هائل من الفقاعات التي تملأ رؤوسنا، ونكتنز بنشارة من الخشب، جراء الشحذ اليومي للأخشاب في غابتنا الداخلية بوساطة منشار حاد وقاطع شرس.
نحن نعجز لأننا لا ندع للعقل كي يحدد مسار خطواتنا في الحياة، بل نحن نمضي كالعميان في الطريق الوعر، فنصطدم بالصخور، ونقع في الفخ، ولما نرفع رؤوسنا، ونجد أنفسنا في ورطة الإخفاق، نبدأ في لعن الشيطان، ونقول سراً، «هذا ماجناه أبي عليّ، وما جنيت على أحد» نستمر في صفع الهواء، والمشي على الماء، والسباحة على الرمل، والغضب يلاحقنا، والاحتقان يكبر في نفوسنا، والأمواج تتلاطم، ولا تستطيع التخلص من صعدنا، وتعاستنا، لأننا لن نلتفت إلى الصفيحة الصدئة في رؤوسنا، ولم نع أن سبب عجزنا هو امتلاؤنا بالأفكار المغلوطة، سبب عجزنا هو عدم قدرتنا على التخلي عن المواصفات التي يضعها الآخر وليس نحن.