تطور مجتمعنا في غالبية الجوانب التي تعتبر عادة سلبية، إلا شيء واحد عادة الكرم بالطعام. والمشكلة أن هذه العادة تحديداً تطورت للأسوأ عوضاً عن التحول للإيجاب، لقد صار الكرم بالطعام كارثة تهدد صحتنا ولم يفطن أحد لنشر الوعي بهذه الظاهرة لليوم. فيما مضى لم تكن «الفوالة»- وهي المفردة التي نطلقها على مايقدم للضيوف في الإمارات- أكثر من صحن فواكه بسيط وتمر وقهوة عربية، وفي بعض المناسبات كان يضاف لها الحلوى العمانية. اليوم تحولت الفوالة من الوضع القديم إلى وضع يشبه تقديم كل مافي الثلاجة للضيف، وكل ما نتخيله وأكثر، بداية من العصير والفواكه مروراً بالموالح والبسكويت والحلوى والكعك و«الكب كيك» وكل ما في محل المعجنات القريب، إضافة للحلويات الشعبية كاللقيمات والخبيص والبلاليط، وبالطبع القهوة والشاي والمكسرات وربما الآيس كريم. أي بطن تستوعب تناول هذا كله، خاصة لو أن هناك طبق غداء أو عشاء يجب التهامه بعد رفع الفوالة بربع ساعة، خاصة وأنت تسمع لاعتذارات المضيفين الكثيرة، ولنداء ربة البيت تطلب المزيد من الأطباق لضيوفها. إعادة النظر في موضوع أطعمة الضيافة ليس لأنها تبذير وإسراف كما يظن البعض، بل لأنها تعرض صحة بعض الضيوف الذين يشترط عليهم تذوق كل صحن للخطر وهم يعانون الأمرين إما من زيادة وزن يريدون تخفيضه، أو من مرض السكري الذي ينهش أجساد ما يقارب 40% من سكان الإمارات بحسب آخر إحصائيات وزارة الصحة، أو ربما من ارتفاع الكوليسترول وضغط الدم ذلك القاتل الصامت. عوامل المرض أو الحفاظ على الوزن لا يمكن أن توقف المضيفين من تقريب الصحون وغرف الحلوى وتقديم المأكولات الدسمة لزوارهم، وللأسف لا يعذر بعض المضيفين ضيوفهم إذا ما رفضوا تناول الطعام، بل يسرونها في أنفسهم ويقولون «ما عجبهم الأكل» أو «ما بغوا أكلنا». في الأعراس أيضا، يصر الناس على ذبح الذبائح وطبخ الأرز لتقديمه إلى الضيوف، مع أن هناك قائمة طويلة من الأطعمة التي تقدم كعشاء قبل الذبائح، بالإضافة إلى أن غالبية النساء اللواتي يحضرن الأعراس يخضعن لنظام غذائي فلا يقتربن من تلك الذبائح التي ترمى للأسف بعد رفعها من على الطاولات. اليوم نحن أكثر وعياً بالأطعمة التي تضرنا، ونحافظ على تناول المأكولات الصحية إلا في موضوع المجاملات، نجامل الناس على حساب صحتنا، ويصر هؤلاء على أن تناول الطعام كإثبات لأننا نحترمهم، ونخضع نحن لهذا كي لا يقال عنا ما يزعجنا ولو أنه ضار بصحتنا، ونستسلم لسياسة «هل من مزيد» التي يتبعونها. أعتقد أن الوقت قد حان لإعادة النظر لما نقدمه لضيوفنا من أطعمة ولنحرص على أن تكون صحية مناسبة لظروفهم وحمياتهم الخاصة، وأن يكون كرمنا محاطاً بالتقدير لهم لا بمدى ما يجب تقديمه من طعام. فتحية البلوشي