مشكلتنا مع العادة، أنها قد تجعلنا عمياناً، لا نرى إلا الشيء الذي اعتدنا عليه، فنتبعه كما يتبع القطيع الراعي، دعنا نتخلص من العادة، فسوف نصبح أنقياء لا تكدرنا غشاوة التكرار، ولا تغشينا ضبابية المشي من دون مصابيح.
في العادة قد نكون في وسط الدائرة السوداء، نكون في خضم اللاإرادة، نكون في معمعة اللاشعور، نكون في زحام اللون الواحد، نكون في ضجيج الصوت المتكرر، نكون في ثقب الإبرة خيطاً مهترئاً، نكون في قاع الفنجان لا ترشفنا الشفاه الرقيقة، نكون عند حافة الرصيف، قد تدهسنا العجلات الحمقاء دون أن ندري، نكون عند ضفاف موحلة، لا تسكنها غير الطحالب والطفيليات.
نكون في العادة ماء آسناً في قاع البئر، نكون في العادة مسماراً مهملاً في جدار قديم، نكون في العادة دمية تغيَّرت ملامحها بفعل الزمن، نحتفظ بها في زاوية قصية ولا نجرؤ على إتلافها.
نكون في العادة، مثل طاحونة هواء، تدور عكس التيار، نكون في العادة عملة قديمة، نكون أحفورة، نكون أسطورة كاذبة، نكون خرافة.. نجتر بقايا أزمنة مرَّت من هنا ولن تعود، نكون محارم ورقية على أرصفة مقاه شعبية فقيرة، نكون دخان أراجيل يتبع الفراغ، ولا ينتهي إلا إلى فراغ.
في العادة نكون حكايات ليلية، تسردها العجائز لأطفال مشاغبين، نكون كأحلام عوانس في حمل كاذب، نكون كدنجوان يبحث عن الحب فلا يجده، نكون قصاصات ورقية، تطير بقصص خيالية، نكون كأرانب مذعورة تخبئ تحت جلدها مشاعر خوف قديم، نكون كطيور تحلم بأغصان فارعة في وسط صحراء قاحلة، نكون كنساء قبيحات حلمهن بالجمال، يختفي تحت وشاح المساحيق الباهرة.
في العادة ننسلخ نحن من ذواتنا، لنكون غيرها، نذهب إلى العالم بوجوه غير وجوهنا، وعقول غير عقولنا، وأرواح مثل سجادة من غزل صوف ملوث بالغبار.
في العادة نمضي إلى الحياة بمعاطف مرقعة، وقمصان عليها بقع بصقات أمراض عضال.
في العادة نجتر أفكارنا مثل ما تفعل الأغنام، وهي تمضغ أليافاً يابسة.
في العادة نتقيأ الأفكار مثل المرضى، والغثيان يسلبنا النظر إلى الحياة كما هي.
في العادة نحن والأحلام الزاهية على نقيض، لأننا ملوثون، ولأننا ممتلئون بالبقع السوداء.