هكذا هي الإمارات، منذ البدء وهي تنقي غرفة الحياة، وتشذب أغصان الشجرة كي تبدو السماء صافية، والأرض ترفل بثياب الفرح، والناس يسكنون مروج السعادة، منتمين إلى الزمن الثري بمقتنيات الأناقة واللباقة واللياقة ورفاهية النقاء. فهنا ينعم الطير، وترتاح الغزلان، ويسعد الشجر، ويصحو الإنسان على خميلة جميلة، ويتكئ على أرائك المخمل، وهو محمل بالأمنيات الكبار، حيث بلاده تزخر بلطف النسيم، وقطف أثمار الربيع من دون غشاوة أو رثاثة، لأن كون الإمارات تخلّص من أعباء البقايا ونفايات التاريخ، ولأن إنسان الإمارات توصل إلى وعيه بأهمية نقاء البيئة قبل غيره، متأثراً بإرثه الاجتماعي ودور القيادة في بث روح الانتماء إلى الأرض، والوفاء لخيراتها وجزيل عطائها. واليوم عندما نتأمل المشهد في بلادنا، نرى أن الأرض مزروعة بوعي الناس، منسوجة من قماشة لا يغشيها رث ولا عبث، نرى الأشياء تُجّمل تفاصيل الصفاء في مضمونها، وترفرف الطيور بأجنحة لم يلحقها أذى دخان ولا غبار، بل هي تحلق في فضاء أشبه بالنهر الجاري، وتنظر إلى البحر، وكأنه سجادة خضراء من نسج الطبيعة والناس، وترنو إلى الشجر، فيبدو وكأنه أيقونات تاريخية. فالمحافظة على البيئة، هي خطوة أولى وأولية للحفاظ على حياة الإنسان، لأنه لا فارق ما بين الحياتين، فكلاهما يكمل بعضه بعضاً، وكلاهما تقوم حياته على الآخر، ولا حياة من دون هذا التكامل، ولا حياة من دون الوعي بأهمية أن تكون البيئة مثل جسد الإنسان، ونظافتها هي الطريق إلى صحة وعافية، وقدرة على التنفس من دون تعب أو شكوى من ضيق تنفس أو إغماءة. عندما يكون الشجر في بيئة شابة ويافعة، فإنه يتقدم إلى الحياة بنضارة وحيوية ونشاط، فيعطي بسخاء، ويثمر برخاء، وتصبح علاقته بالإنسان علاقة موشومة بالفرح، وعلى إثر هذه العلاقة، تنمو أغصان العافية في جسد الإنسان. وعندما يمرح الطير، ويبرح بعفوية البيئة المطمئنة، فإنه يرخي أجنحة البقاء من دون قلق أو أرق أو نزق، بل يمضي مرفرفاً بخيلاء البذخ البيئي وثراء الطبيعة الخلابة. كل شيء في الكون ينمو ويترعرع، ويبسط نفوذه على الوجود، عندما تكون البيئة مرتدية فستان نظافتها، وعندما تصير البيئة مثل فرخ العصفور يبادر في نفض بقايا الميلاد عن ريشه، ليهم بالطيران، ويغادر مكانه إلى حيث تكمن حقيقة النشوء والارتقاء، وحيث تتوافر معالم الأبدية. فالبيئة النظيفة تهدينا عقلاً نظيفاً والعكس صحيح، فلا عقل مبدع من غير بيئة نقية من شوائب الدهر، ولا بيئة نظيفة من غير عقل يعرف مهمته في الحياة، ويعي التزامه الأخلاقي نحو مكانه الذي يعيش فيه.