تذهب الشاعرة العراقية المغتربة دنيا ميخائيل إلى ألف ليلة وليلة أو (الليالي العربية) كما عرفها الغرب؛ لتحوّلها إلى الليالي العراقية، ليس لسمة اللذة أو المتعة، ولكن لغرائبية الأحداث وقوة الدلالة المتأتية من عجائبية ما يحدث ولا يستطيع سوى منطق الخيال السردي الحر أن يقتنع بإمكان حصوله. ولكن قصائد الليالي العراقية تحيل إلى ذاكرة متون أخرى أيضاً كمراجع بجانب الليالي المهيمنة على لافتة العنوان هي الألواح السومرية والتراث العراقي القديم: أساطيره وحكاياته وشخوصه وأمكنته. واستدعاء ذلك كله بجانب المعاناة الشاخصة أو المعاصرة يهب نصوص دنيا ميخائيل الأخيرة تنوعا لم تعرفه قصائد ديوانها (الحرب تعمل بجدّ).. المكرس لفجائعية الحرب وتفاصيلها وتداعياتها. هنا حياة مترامية الأطراف تشد حبال أرجوحتها أخيلة ممتدة من أميركا، حيث تقيم وتعيش، لبغداد حيث حياتها المستمرة منذ ولادتها .. وبالعكس! تسافر حرة من الأمكنة الحاضرة إلى البائدة.. ومن زمن تحجر في اللقى والجدران إلى وقت تعلّب في ماكنة الألم اليومي! ولا يفعل الحنين فعله الشعوري المبسط فيثير النوستالجيا المرضية، بل يصنع متحفا للذاكرة وتفاصيلها؛ فتشارك الشاعرة زملاءها الشعراء المغتربين في الاستنجاد بالتراث العراقي ومدوناته المؤثرة ذات النفوذ المستمر، وتلك سمة موضوعية وفنية تستحق الدراسة، فقد حضر المرجع الرافديني بأساطيره وملاحمه وفنونه، كما لم يكن في شعر الهجرات الأولى؛ حين كان شعراء المنافي والمهاجر والمغتربات بشتى أحوالهم وسبل اتصالهم بوطنهم، مأخوذين بما يحدث من صراع تدبره السياسة غالبا، ويضع القصيدة في موقف الآن والحاضر المحتدم بالعنف والطغيان والخسائر التي تمس الذات والوطن، ولكن معاناة جيل الهجرة في الألفية الثالثة تغدو مصهرا لمؤثرات ومثيرات شتى في مقدمتها حضور الوطن كوجود حضاري وإنساني تستهدفه دكتاتورية الحكام وشهوات المحتل ووحشية المتطرفين، فيجتمع الطغاة والغزاة والغلاة على مأدبة الدم ومهرجان الألم الذي يلوح بين ضحاياه كل ما ترك العراقي من إرث، ولكن بغداد تلتمع لا كبقعة بعيدة بل كضوء علوي، فتخاطب الشاعرة طفلتها لارسا عن حبها في نص يحمل اسمها: (وأحبك أكبر من كوكب الأرض/ من هنا إلى بغداد/ ذهابا وإيابا/وأحبك أقوى من أصوات الانفجارات/وأحبك أعمق من جرح) ولا يحجب جرح الوطن معاناة الذات، تكتب الشاعرة متمثلة جريان المألوف في جسد الحب بين رجل وامرأة فيصبح المشهد:(هو يشاهد التلفزيون/ وهي تمسك رواية/ على غلاف الرواية/ رجل يشاهد التلفزيون /وامرأة تمسك رواية). فنياً تعتمد الشاعرة قصيدة النثر؛ مستفيدة مما تتيحه من السرد وتداعيات المونتاج؛ فتتدرج القصائد من لحظةٍ ما لتتطور لاحقا وتكتمل زمنيتها، كقصيدتها عن دورة حياة سيدة سومرية وعن لارسا المرتقية سلالم الحياة وعن الحياة ذاتها في عادياتها واحتمال استبدالها بأخرى، ومن كوكب الأرض إلى كوكب آخر مثل يوتوبيا بشرية، متسائلة عما سيحدث لعشتار بعد الليلة الألف لعل في القصائد ما يعين على معرفة الجواب.