أتخيل لو أن وزارة التربية، تحررت قليلاً من النظام التقليدي وأبدت استعداداً لتغيير ما اعتاد عليه المنهج التعليمي، وأعلنت بداية من العام الدراسي المقبل أن الدوام المدرسي في سن الروضة يبدأ من التاسعة صباحاً وينتهي في الثانية عشرة ظهراً، حفاظاً على الوقت والجُهد، ومراعاة لقدرة الطفل الذي لم يزل في سنوات التدريب على الخروج من منزل ذويه والذهاب بعيداً عن أهله ليلتقي بوجوه جديدة وأفراد عائلة لم يرهم من قبل.
أتخيل هذا النظام وأتمناه لأطفالنا الذين شابت ذوائبهم قبل الشيب وهم يحملون على أكتافهم أعباء الزمن، وينحنون طوعاً وقسراً ويصحون باكراً قبل شروق الشمس بساعة على أقل تقدير، ويودعون الأهل بدموع تحتبس في محاجر العيون.. أتخيل أن يصبح لدينا وعي بأهمية أن نحبب المدرسة إلى الطفل لا أن نجعلها معسكراً للتدريب على الأعمال الشاقة، فالأطفال في سن الروضة لم تزل قلوبهم الخضراء تهفو إلى المبيت والحضن الأول، الأمر الذي يجعل مغادرتهم البيوت في ساعات باكرة، وكأنه الانتقال المفاجئ من الظل إلى سطوة الشمس.. نقول هذا الكلام ونحن نشاهد الصغار الذين في أول النطق، وأول النظر إلى الحياة، يواجهون القسوة بدموع وانكسار ومن ينكسر لا يستطيع أن يعطي في المستقبل، بل إن كل نظام مستقبلي سواء في العمل أو في نادٍ أو حتى جمعية يصير المكان المكروه والمنبوذ.. ولا أدري لماذا الإصرار دائماً على فرض النظم التعليمية التقليدية دون الاستغناء عن تفاصيلها السلبية والتي لا تقدم ولكنها تؤخر كثيراً.
الدراسات العلمية أثبتت أن الأطفال كثيرو الحركة، ولا يصمدون أمام الضبط والربط لساعات طويلة ما يجعلهم أكثر عدوانية وأكثر سلبية في التعاطي مع المدرس، حيث تذهب الساعات الطويلة من الدوام المدرسي جفاء وبلا جدوى، فالطفل لا يستوعب ولا يرغب في البقاء طويلاً على كرسي الدراسة.. إذاً ما الحل؟ لا بد من العناية بالزمن، ولا بد من مراعاة ظرف من نريد أن نوجه إليه التعليم والتدريب، ولا بد من اختصار الزمن لمزيد من التركيز والاستفادة، أما أن نعامل طالب الروضة كما نتعامل مع الطالب في المرحلة الثانوية، فهنا يحدث الخلل وهنا تضيع مشاعر الطفولة، وعفويتها في خضم من الالتزامات التعليمية التي لا تتناسب وهذه السن.
في العالم عندما يريدون أن يطبقوا نظاماً تعليمياً، فإنهم يستعينون بالدراسات والبحوث والاستطلاعات ليخرجوا بنتائج تغير وتحقق المرجو من العملية التعليمية، أما في عالمنا الثالث، فإن النظام التعليمي يظل صامداً أبد الدهر، كالأحفورة يتغيَّر العالم من حوله ولا يتغير هو لأننا نخاف من الجديد، ولأننا نخشى الاقتراب من التجربة، ولأننا نقدس العادة حتى ولو كانت سيئة ومسيئة.. فأن ننتج طفلاً راضياً مرضياً عن حياته التعليمية نحتاج إلى قدرات فائقة في فهم متطلبات واحتياجات هذا الطفل.. ونحتاج إلى وعي بأهمية الطفولة السوية في أي مجتمع يريد أن يرتقي بمكوناته الاجتماعية..


marafea@emi.ae