أن تكون حراً، ليس معناه أن تستهلك حياتك في ترديد ما قاله غيرك، مثل ببغاء تنعق في الصباح بما سمعته ليلاً من ترددات صوتية من قبل البشر.
أن تكون حراً، لا يعني أن تدخل محلاً تجارياً يؤمه البشر من كل أجناسهم، ودياناتهم، وشرائحهم، وأنت ترتدي بنطالاً قصيراً لا يغطى أبعد من ركبتيك.
أن تكون حراً، فليس أن تلقي بمخلفات طعامك في عرض الشارع، أو على الأرصفة. أن تكون حراً، فليس أن تصعد بمجنزرتك على الأرصفة، لتسحق عجلاتها مآثر الشارع والتاريخ.
أن تكون حراً، لا يعطيك الحرية بأن توقف سيارتك خلف السيارات الأخرى في المواقف، وتذهب أنت «الحر» لقضاء حاجاتك بدم بارد، ولما تنهي مهمتك «الضرورية» تجد من وقف لساعة أو أكثر في انتظار سيادتك فتنظر إليه، ثم تشيح بكبرياء مزعومة، ثم تقفل أبواب سيارتك وتذهب مع الريح، بينما يظل المسكين مذهولاً من هول الموقف، ومن فظاعة الحرية التي تمنح للبعض فرصاً كي ينفسوا عن عقد أزمنة، ومركبات نقص متفاقمة.
الحرية ليست مصطلحاً للعبثية، واللامبالاة في مشاعر الآخرين، والوقوف عند الإشارات الحمراء، للتعبير عن رغبات أنانية، وإزعاج الآخرين بأصوات الأغاني الأشبه باصطدام صخرتين، عند منحدر وادع.
الحرية هي أن تنظف داخلك من الشوائب، ومن مخلفات التاريخ، ومن خوفك المرضي، ومن عصابك القهري، ومن هستيريا الأمراض الصفراء.
الحرية هي أن تذهب إلى العالم بعقل لم تلوثه عقدة في اللون، ولا العرق، ولا الدين، بل أن تذهب وأنت صاف مثل عيون الطير، وأنت شامخ مثل غصن اللوز، وأنت راسخ مثل جذر الغاف، وأنت حالم مثل السحابة، وأنت قوي الإرادة مثل النورس في السماء، وأنت عاشق للحياة مثل الغزالة البرية، وأنت بلا أفكار مسبقة مثل الوردة، وأنت بلا سعار مثل الفراشة.
الحرية هي حريتك أنت التي لا تتعارض مع حرية الآخرين، وهي حرية الآخرين التي تصطدم بحريتك.
الحرية كائن جميل، لا يحتمل بهتان المدعين، ولا طغيان المفترين، ولا غفلة السادرين، ولا بهارات المنافقين، ولا الأناشيد الفاشلة التي يمضغها المهرولون إلى المجد المزيف، الحرية حلم الأنهار في عناق الأشجار وأمل الطير في الرفرفة، وأمنيات الأغصان في الهفهفة.
الحرية ليست طائرة ورقية يلهو بها صغار عابثون، وإنما هي أجنحة الضمائر الحية، هي الروح عندما تسكن قلوب لم تعتريها غاشية، ولم تشوبها فاشية.
الحرية تعني جمال الروح، ورونق النفس، وروعة العقل، وإبداعاً فنياً يتميز به كل إنسان فهم أن الحرية، امتياز جماعي، وليس فردياً.