حلّت كاترين مييه، وهي كاتبة فرنسية، ضيفة على معرض بيروت للكتاب الشهر الماضي، بدعوة من مجلة “جسد” ورئيسة تحريرها الشاعرة اللبنانية جومانة حداد. إلى هنا الخبر عادي. أما غير العادي فإن الكاتبة الفرنسية جاءت لكي تروّج للترجمة العربية لكتابها “حياة كاترين م. الجنسية”. الكتاب أثار حين صدوره عام 2001 صدمة في الأوساط الثقافية الفرنسية، بسبب مضمونه الفضائحي والفج. أما في لبنان فقد كان يباع “مثل الرز” بحسب ما أخبرني صديق. بطبيعة الحال، كان الصديق يقصد بهذا التشبيه الكثرة. فأن يباع كتاب “مثل الرز” فذلك يعني أنه تصدّر قائمة الأكثر رواجا، كما تقول لغة عالم النشر. لكن، لسبب ما، انصرف ذهني في التشبيه من الكم إلى النوع. فالأرز هو المصدر الأساس للمادة الغذائية النشوية بالنسبة إلى ملايين البشر. ولا يمكن استبدالها بمادة أخرى على الرغم من محاولة صاحب الدكان المصري ـ قبل عقود ـ إقناعي بشراء “الماكرونة” بدلا من الأرز، “لأنه كله نشويات يا باشا”، على حد ادعائه. في حالة كاترين مييه لا يمكن الركون إلى “التشبيه النشوي”، على الرغم من التداخل اللغوي بين القيمة الغذائية للأرز والنتيجة المعنوية لقراءة كتاب عن الحياة السرية لمؤلفته. فمن الواضح أن هذه “المؤلفة” الفرنسية لم تكن يوما في حياتها ـ السرية على الأقل ـ نباتية، وبالتأكيد فإنها لم تكن تأكل الأرز خلف الأبواب المغلقة. لقد كانت، بحسب الاعترافات التي سطرتها في صفحات الكتاب، لحومية من الدرجة المتوحشة، تبجّل “البروتينات” وتحتقر “النشويات”. عاشت كاترين في عالم اللحوم البشرية، وسجلت خبراتها الحسية، في كتاب استهجنه الفرنسيون وصنّفه ربعنا في خانة “أدب الجسد” وتهافتوا على شرائه. وهنا تبرز إشكالية الكتاب. فإذا كان من المستحيل أن تقرر عن الناس ماذا يأكلون، أو ماذا يقرأون، فإنه يعدّ من قبيل الغش أن تقدم لهم وجبات غذائية أو ثقافية فاسدة تقول مواصفاتها عكس ذلك. فقلة الأدب لا يمكن أن تصبح أدبا حتى ولو حملته دفتا كتاب. من السهل أن تستلّ من الرفوف العليا top shelf للحوانيت الأوروبية المتخصصة بمطبوعات الجنس وروايات (البورنو) أي كتاب، وتترجمه إلى العربية. وقد راجت في سنوات الحرب الأهلية اللبنانية سلسلة كتيبات، كانت تباع على الأرصفة وتحمل في عناوينها عبارة “مغامرات” مقرونة باسم صاحبها: جوني، ولوليتا، وسامانثا، والراقصة الصاروخية وغيرها كثير.. ولا يختلف مضمون تلك الكتيبات، عما حمله كتاب المؤلفة الفرنسية من حكايات وتفاصيل.. لكن لم يدع أحدا، لا مترجم ولا ناشر، بأنه يقدم إلى قراء العربية كتبا أدبية. فلماذا، هذا التعسف في تصنيف كتاب كاترين مييه؟ وهل التأنّق في مدحه وتقديمه وتقييمه يمنح خطابه أناقة ترفع عنه الابتذال؟ لا يمكن الاستهانة بحاجة الإنسان السوي إلى المتع الحسية. وقد فطره الخالق عليها، وشرّع له طرق تحقيقها. وتقوم في العالم الغربي تجارة وصناعة واسعة لتلبية الرغبات المكبوتة أو المصرّح عنها. وتبلغ قيمة تلك التجارة مليارات الدولارات، على الأقل في جانبها المعلن. وتظهر عن تلك الصناعة والتجارة، ألوف العناوين من الأفلام والكتب والمنتجات المتنوعة.. وكتاب كاترين مييه، واحد منها.. وفي هذه الحدود فقط يقدم للقارئ العربي، حاجته من “النشويات” و”البروتينات” التي تغذي جانباً من حياته السرية. عادل علي adelk58@hotmail.com