فيلم وثائقي عرض على شاشة محطة تلفزيونية عالمية، يكشف عن الوصايا التي يفرضها الفقر على كثير من دول العالم، ومن بينها دول أفريقية لم تزل ترزح تحت نير هذا الطاعون البشري الرهيب. وقد اختار الفيلم جمهورية الكونغو نموذجاً للدولة التي وقعت تحت مخلب الاستعمار البلجيكي في بدايات القرن العشرين، ويشير الفيلم إلى أن الدولة البلجيكية أنهكت هذا البلد، وسلبت وخرّبت ونهبت، واستغلت ثروات شعبه، واستبعدت الناس، وجعلتهم عبيداً يخدمون أغراضها الاستعمارية. هذا صحيح ولا نشك فيه أبداً، ما يفيض به هذا الفيلم من مشاهد مؤلمة، هو أن الكونغو قد استقلت عن الاستعمار البلجيكي منذ العام 1960م، ولم يعد هناك أي مظهر من مظاهر الاستعمار في هذا البلد، والثروات في الكونغو غزيرة، مثل الأمطار التي تغرق غابات السافانا، ولكن الشعب هناك لم يزل يتعثر بحصى الفقر، ولا يزال يلعق عرقه وهو يضرب بوجهه بحثاً عن لقمة تسد الرمق. ومثالنا اليوم في اليابان، هذا البلد الذي صعق بأفظع كارثة إنسانية، حين هُزم في الحرب العالمية الثانية، وضُرب بالقنبلة الذرية، وسُحقت هيروشيما، وناجازاكي، باللهيب الذري. ولكن اليابان اليوم من أغنى دول العالم، وتقف في مقدمة الدول الصناعية. إذن ما الفرق بين هذه الدولة وتلك؟ نقول هي الإرادة، فعندما تصحو الإرادة، وتغسل وجهها من الغبار، يستطيع الإنسان أن ينهض، وأن يرى العالم كما يريد، لا كما يريده الآخرون. اليابان صعدت إلى أولويات الحياة، وحققت معجزة التطور بفعل تلك الإرادة، والصحوة التي طردت كوابيس الهزيمة، واستدعت الوعي لكي يكون في خدمة الإنسان، واستندت إلى فكرة أنه لا حياة مع اليأس، ولا يأس مع الحياة. وهذا يعيدنا إلى ما حدث في بلادنا، فالإمارات التي نشأت على أرض بطحاء خاوية، استطاعت بفعل الإرادة أن تزرع الأمل، وتروي الطموح بماء المكرمات، وأن تصنع من سعف النخيل خيمة الفرح، وأن تذهب بالحياة إلى مناطق شاسعة من التطور والنهوض.
بفعل هذا التألق الذي ملأ وجدان الإنسان الإماراتي، وصلت الإمارات إلى شغاف النجوم، لأن الله حباها بقائد، ما ملّ من التطلع إلى رخاء الأرض، ورفاهية الإنسان، وهذا ليس بالنفط كما يدعي المزيفون، وإنما بالإرادة، وبالأحلام الزاهية التي تمتع بها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه. هناك الكثير من الدول بترولية حتى النخاع، ولكن لغياب الوعي، واضمحلال الإرادة، تحولت النعمة إلى نقمة.