معاينة معرض (كنوز مصرية) المقام على قاعات مركز فِرسْت للفنون البصرية في تنسي والعنوان الرئيس (الحياة إلى الأبد) أو الحياة الأبدية تمنح البصر متعة التعرف على تصورات المصريين القدامى لعالم ما بعد الحياة، وهيمنة استمرارها على مخيلتهم، حتى هيئوا للموتى لوازم الحياة ذاتها ماضية وقادمة، حليّهم وثرواتهم الدنيوية، وما يحتاجون في يومياتهم اللاحقة، ووضعوها في قبورهم، ثم راحوا يعالجون الجسد ويروضونه ليستجيب لحلمهم ذاك، فاهتدوا إلى التحنيط تعبيرا عن رغبتهم في تمجيد الحياة عبر الموت، ومقاومتهم للمصير البشري بما يطمئن الأحياء أنفسهم؛ فظلت مشاهد الحياة تشع من الوجوه والعيون، رغم ما يحيط بها من تغطية تستلزمها ضرورات عملية التحنيط، وتكاد تلمس حرارة الأجساد وحيوية القسمات ونضارتها بديلا عما يسلبه الموت منها، ولقد تقبل القيمون على المعرض تلك الآثار المصرية أو الكنوز كما يصفها كتيب المعرض ليس لروعة وتقنية وإتقان صنعها فحسب، بل لما يحف بها من ذاكرة بشرية، فالحضارة التي بدأت في مصر بحسب التعريف المطبوع حوالي 5300 سنة قبل الميلاد؛ بجانب الحضار العراقية القديمة شواهد على ما أبدع البشر على ضفاف الواديين الأشهر في طوبوغرافيا الأرض وزمنها وذاكرتها: الرافدين والنيل. يقدم العارضون مزيجا من المنحوتات والتوابيت والرقوق والمخطوطات والمجسمات مع شروح ضافية تأخذ المشاهد إلى سياق الكنوز ومضامينها وأصولها الأسطورية.. وما يتشكل حولها من قصص ورموز. لا تدخل الحضارة بوسائط وتوسطات وصفقات. إنها تفرض وجودها بما تحمله بين ثناياها. درس - بجانب درس الإبداع الذي لا يهرم - تلخصه على وجوه الزائرين الدهشة الممزوجة بالإعجاب.. تتحدث التعريفات المصاحبة عن أوزوريس وإزيس.. عن رع وآمون ورمسيس وعن مرجعية كتاب الموتى وحكم الفراعنة ومعتقداتهم التي لا تعبأ بالموت بل تراه مناسبة للحاق بالإله رع في رحلته النهرية ومرافقته مطلع كل شمس وغروبها. يتحكم الإنسان بهندسة المكان. الأهرام والمعابد تدل على ذلك ببراعة، فتستقبل الشمسٍ وتوزعها بحساب دقيق على التماثيل والأمكنة، كما تتخذ الغروب رمزا للفناء والموت علامة على التمسك بالحياة الثانية. يلفت النظر في العرض، وهو ما يعوز تسويق تراثنا الحضاري، أن القيمين حاصروا المشاهد بأبرز ما يمكن أن يثير ذاكرته: أفلام وثائقية، وأخرى روائية مصنوعة عن كليوباترا ملكة مصر وعشقها وحياتها ونهايتها. لكن فيلم اليزابيث تايلور سيكون هو مركز الاهتمام والتقديم بالصور والعرض الحي. تحس أن رسالة الحضارة وصلت كاملة، ولا يشك أحد أن ما أتيح لبصره وذاكرته لم يكن ليتاح أفضل منه حتى لو قام المصريون أنفسهم بتنظيمه، تعريفاً بكنوز حضارتهم ومدوناتها وإرثها الفني. درس آخر لمشاهد تتردد في جوفه تساؤلات صقر قريش عن نخلة غريبة في الأندلس، مقتلعة بقسوة عن بلد النخل.. لكن غربة الفن تخف؛ لأن لغة الخطاب تلغي الفواصل، وتقرّب الأفكار، وتستولي على العقول.