للغة في تأكيد الهوية الوطنية سحر الماء في التربة. عندما تنهض اللغة بمسؤوليتها كقاسم مشترك بين الإنسان وهويته، تعشب القلوب وتزهر العقول، وتزدهر الروح بمعاني الانتماء مع وطن لغته هي روحه، ودماؤه التي تجري في شرايينه، والهواء الطلق الذي تتنفسه الصدور، ووعاء هذه اللغة وقاربها الذي يفرد شراعه باتجاه الآخر، هو الإعلام بما يحمل من صفحات وشاشات وذبذبات ترخي سدول المحبة، محتفية بضاد اللغة وسنام حروفها الرافعة المرتفعة، المترافعة دوماً دفاعاً عن الهوية وقيمها وشيمها وأحلامها. فالأمم لا تحترم الأموات، ومن تموت لغته يجف لسانه عن البوح، وتعجف أشجاره، وتتقاعس عن إنبات ثمر الحياة. الأمم لا تستمع إلا إلى طَرقات الأخف الثقيلة، ومن ليس له لغة ليس له هوية، ومن ليست له هوية هو كائن أشبه بالقشة تذروها الرياح، فلا قرار له ولا استقرار ولا استمرار في الحياة. فلن يسمعنا أحد إلا بلسان لغتنا وقواعد نحوها وبلاغتها ونبوغها وبلوغها إلى مصاف النضج واكتمال التكوين.
تغريب اللغة هو تسريب للهوية، وتهريب للقيم، وتعتيم على ملامح الوجه وصولة اللسان. تجريد اللغة من معناها ومحتواها هو تحييد قدرة الإنسان على الإبداع والتفاعل مع مجريات الحياة ومقتضياتها وما يلزمها من تفاعل إيجابي يرقى بالإنسان ويحتفظ بحقه كائناً كريماً قويماً في النشوء والارتقاء. تمريغ اللغة في براثن اللغط ومستنقعات الغلط يجعلها ناقة عرجاء بعين عمياء وأذن صماء وشفة خرساء.
نحن بحاجة إلى لغتنا وإلى وعائها الذي يأخذ بيدها إلى حيث تتعاطى الأمم مع لغاتها، نحن بحاجة إلى لغتنا لنصنع غدنا ونصيغ قلائد مستقبلنا، ونطرز ثياب أحلامنا وآمالنا وطموحاتنا، ولا يمكن لأمة أن ترتقي وهي تمضغ لغة غير لغتها، وتجتر تاريخاً غير تاريخها وتحيك ثقافة غير ثقافتها. التلاقح مع الآخر، والتواصل معه والتصالح معه لا يتم إلا من خلال عمود فقري مستقيم لا منحنٍ، وظهور متحررة من عوامل النقص والدونية.
الإمارات ليس وطناً طارئاً ولا تاريخاً راهناً، ولا أرضا تم اكتشافها من قريب، الإمارات تاريخ وثقافة وحضارة تقترب جذورها من أعماق الوجدان الإنساني، ولغة الضاد هي الرأس والأساس والمتراس الذي من خلاله حفرت اللغة حروفها وزخارف معناها ومغزاها، لذا فإن الوعاء الإعلامي تقع عليه مسؤولية جسيمة في تحمل أعباء النقل والتواصل وتأصيل ما هو أصيل وجميل ونبيل. واستيراد لهجات ولغات ثم إعادة تصديرها عملة فاشلة وفاسدة لا يمكن أن تكون رصيداً يمكن اللغة من ممارسة دورها كراسخ ووتد لهوية هي الجذر وهي القدر.
لغتنا العربية لغة حية وحيوية قادرة على التماهي مع الآخر، تمكنه من التواصل مع تطوراته واختراعاته وإبداعاته لأنها لغة الفطرة ولغة الفكرة الأولى في نسج خيوط المعرفة بالكون. لغتنا العربية هي المدار، وهي المسار، وهي أصل الحوار بين الإنسان وهويته وسمات وجوده. لغتنا العربية هي صوتنا الذي نريد أن يسمعه العالم ونسمعه.


marafea@emi.ae