في خضم آلة الفتك الجبارة، والحالة الإسلامية المأساوية، نقف عند نقطة التحول المطلوبة والمبتغاة، والتي أصبحت ضرورة لا ترفاً. التصدير المتعمد والشنيع لصورة «الإسلامي» إلى العالم، لاقى ارتياحاً لدى المنظرين للخوف من الآخر والبغض، كما واجه سخطاً مبطناً خفياً من قبل مفكري الحداثة، الأمر الذي يجعل الخروج من قاع الكهنوتية مسألة مستحيلة، لأن ما من حق يسلب إلا ويحتاج إلى قوة مضادة تعيده إلى أهله، وما يتم اليوم على أرض الواقع هو استلاب للدين الحنيف، دين الإنسانية جمعاء، واغتراب المسلم عن دينه، وإذا كان معظم المثقفين اتخذوا طريق الاختفاء خلف معاطف الصمت، والتزام الالتواء في اتخاذ المواقف التاريخية الجارحة، فإن من الطبيعي أن تعمل القوى الظلامية على نشر شراشفها البالية لتغطية ضوء الشمس، والإتيان ببدع ما أنزل الله بها من سلطان، فعندما يتحول الدين الحنيف، دين الحب والتسامح والعدل والمساواة بين البشر، إلى آلة قتل وتشريد وتنكيل على أيدي عتاة خرجوا من كهوف تورا بورا إلى العالم بعيون لا ترى غير الظلام، وقلوب لا تشعر إلا بالضغينة، وعقول محاطة بغشاء أسود حالك، فإن الخروج من هذه الوهدة والصهد والعذاب، يحتاج إلى مثقف تنويري يقف في مواجهة الباطل بفكر يعي دوره الوطني أولاً، والإنساني ثانياً، لا نريد تنويرياً يغض الطرف عن مجازفات أهلكت الزرع والنسل، وأبادت الأخضر والأصفر، واعتمدت منهج الإقصاء بكل الوسائل من أجل شرعنة الباطل. المثقف الذي لا يقول كلمة الحق، في يوم الحقيقة، فإنه كائن هامد خامد لا يقل خطورة عن أولئك القتلة، لأنه لا يفكر إلا في نفسه، ومن أجل أن يمنع عن نفسه ضيم السيوف الغاضبة، فإنه ينأى بعيداً ويظل نائحاً باكياً، مسترسلاً في السخط المبطن، وهذا لا يخدم للود قضية، فالأوطان الإسلامية اليوم مهددة بضياع الهوية وشتات المنجز الحضاري، والدخول في أنفاق التهلكة والتمزق. إنهم لن يهدأوا، ولن يطمئنوا إلا إذا أعادوا حروب الدويلات الإسلامية، ومعارك الطوائف، إلى المربع الأول، يوم أسقطت غرناطة في عهد أبي عبدالله الصغير آخر ملوك بني الأحمر، على يد فرناندو ملك ليون، وأيزابيلا الأولى ملكة قشتالة، إنهم يريدوننا كذلك ليعيدونا إلى محاكم تفتيش «إسلامية» تقصي هذا، وتفتك بذاك، ليبقى الدين الإسلامي الحنيف، كائناً مجوفاً. البكائيات لن تنفع، والحسرات لن تشفع، الواقع الراهن يحتاج إلى الوقوف جنباً إلى جنب مع الوطن، وفيه ومنه وإليه لا خيار غير فضح الادعاء، وكبح الافتراء، وردع كهنة العصر الحديث، ومشرعي الإجرام ضد البشرية جمعاء، والله تعالى قال في تنزيله الكريم (... وخَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)، ويحق لهذا الإنسان المبجل أن يعيش كريماً منعماً بوعيه الوطني وحسه الإنساني، وحبه إلى الناس أجمعين من دون تفريق أو تمزيق.