مخيف حقاً. أو ربما كان المقصود هو أن يبدو كذلك. هذا ما يخرج به القارئ لتقرير التنمية الثقافية الذي أذاعته مؤسسة الفكر العربي، في مؤتمرها في دبي. يحتوي التقرير على خلاصات، باتت من المسلمات في كل مقاربة استبيانية لحال الثقافة العربية: ضمور المعارف لدى أجيال الشباب، تراجع دور الكتاب، اضمحلال القراءة الخ.. لكن الجديد في التقرير الجديد هي تلك الأرقام التي كشفها. منها أنه في الوقت الذي يشكل فيه متوسط اطلاع الفرد الأوروبي نحو 200 ساعة سنويا، تتناقص القراءة لدى الفرد العربي إلى ست دقائق سنويا. هذه الصدمة تتفاقم بنتائج استطلاع لقياس مدى معرفة الشباب بقائمة من الأدباء العرب تضم 27 أديباً وأديبة. تراوحت الإجابات بين الجهل المطبق وعدم الإلمام الكافي. لكن،،،،، بقدر ما تستحق الخلاصات رفع الصوت تحذيراً من أخطار الجهل وانغلاقات الجاهلين، لا بد من مساءلة التقرير نفسه، الذي لا نشك بموضوعيته الأكاديمية ونزاهته البحثية. فالمساءلة ليست للنيّات والغايات، وإنما للوسائل المنهجية. والثابت أن كل الأبحاث الاجتماعية تعتمد منهج الاستبيان، كوسيلة وحيدة لجمع المعلومات الرقمية واستخراج النسب المئوية منها. فهل عزل التقرير، مثلا، نسبة الأمية الحروفية الكبيرة في المجتمعات العربية، وهو يدوّن خلاصاته؟ هذا المنهج، الذي تعتمده الدراسات الإحصائية، تعرض ويتعرض لانتقادات كثيرة، بسبب ما ينتجه من تعميمات أو ابتسارات. فطريقة توجيه أسئلة إلى مجموعة مختارة أو عشوائية من الناس، لن توصل في كل مرة إلا إلى نتائج تقرير سنة 2011. وهي نفسها تقريبا نتائج تقرير التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة قبل عقد، والذي صفعنا بحقيقة أصبحت أيقونة المحبطين، وهي أن إسبانيا تطبع كتباً في السنة أكثر مما يفعله العرب مجتمعين، وأن اليونان تترجم أكثر من الترجمات عن وإلى العربية. وهو ما صاغته غولدا مائير، قبل خمسة عقود، بقولها إن إسرائيل تنتصر على العرب لأنهم لا يقرأون. والحقيقة إن نتائج مثل هذه الدراسات باتت لا تختلف كثيرا عن نتائج الانتخابات أو الاستفتاءات الرسمية العربية، المخلصة لرقم 99.99 بالمئة. فهي تعتمد افتراضا ثابتا هو أن الكتاب يشكل مصدرا وحيدا للثقافة والمعرفة. تتجاهل أن القراءة بأشكالها القديمة باتت عملية احترافية، تتقنها نخبة لها سماتها، حتى في المجتمعات الأوروبية. وحينما توجه الانتقادات، مثلاً، لنوعية الكتب المباعة في الأسواق العربية، مثل كتب التنجيم والطبخ والتراث، فإن قراءات الأوروبي لا تبتعد كثيراً عن كتب تنسيق الزهور وتربية القطط والروايات السريعة وسِيَر المشاهير، التي تنفع في تزجية الوقت في الحافلات والقطارات والحدائق العامة. فهل حال وسائل المواصلات العامة، في أي مدينة عربية، تتيح للراغب القراءة تزجية للوقت أو لغيره؟ ما سبق لا يقصد رسم صورة معاكسة لحال الثقافة العامة في المنطقة العربية. لكن أليس من الموضوعية والنزاهة العلمية، أن يرصد الباحثون المصادر المعرفية الأخرى المتوافرة أمام العربي من صحافة وسينما وتلفزيون وإنترنت؟ ثم ألم تكن ثقافة السماع، جزءاً من التكوين المعرفي للعربي على مر العصور؟ فما هو حالها الآن؟ أليست مجريات 2001 في الساحات والميادين قمينة بإعادة طرح السؤال التاريخي: من هو المثقف الحقيقي؟ الحاضن لكتابه أم القابض على جمر الخلاص؟ تلك أسئلة لا يمكن الإجابة عنها باللطم على الخدود كما تفعل الندّابات في المآتم الشعبية، أو بجلد الذات كما يفعل المحبطون المتشائمون.. عادل علي adelk58@hotmail.com