اذا قلنا إن أي فكرة لها أبعادها أمام مرايا الذاكرة وحيثيات صون الموروث الثقافي منذ أمد قديم على صعيد العلاقة مع المكونات الغريبة والمستفزة، إلى درجة بات الأمر يشير معها إلى وجود مواجهة بين ثقافتين أو ثقافة من شقين؛ واحدة تنشد التحضر والمدنية والقيم الحضارية، وأخرى عبثية دموية تمجد أصناماً بشرية وتمغنط شباب الأمة البعيد عن مكونه الثقافي الذي يشعر أنه، أي المكون الثقافي نفسه، في حال جمود تام. فنحن في زمن يستلزم تفكيك الفكر القائم من أجل أن يبزغ عصر نهضوي من جديد، ينساب من روح الحياة كما ينساب الماء من وريد النبع ليسقي أرض النبع نفسها؛ فما أحوج أن تعود الأمة إلى نبعها الأول الذي منه قام الفكر وتأصل الموروث الثقافي، لذا بات المرء في حاجة الى التجديد من أجل المحافظة على الجمالية الثقافية والبنية العلمية وانتشارها. فالمخاض الفكري الذي نعيشه، ويرى بعضهم أنه فوضوي، يمكن أن يصبح فكراً مستنيراً أو ينبغي أن يكون كذلك في حياتنا، ومن دون أن نؤسس هذا لن نتجاوز ما هو ماضٍ، مستبد، ولا أن نخلق روحاً جديدة، يتلاشى منها الجمود والريبة، لنرسم من الماضي أجمله، ومن الحاضر روعته، بل بالافكار المستنيرة نحيل الحياة الى حالة متدفقة بالامل. إن قرار صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، بأن يكون العام القادم عاماً للقراءة هو إنصاف للحياة الثقافية؛ وهو حدث تاريخي، جميل، يأتي في الوقت الذي تخلت فيه أجيال عن فكرة القراءة بوصفها زاداً ثقافياً، ليس في الوطن العربي فقط وإنما في العالم ككل. ومجرد التفكير في هكذا مشروع ينطوي على تقدير عظيم للكلمة، وفيه إحقاق للحياة ونبعها الأصيل.. بل إن هذا ينبغي أن يكون هدفاً لتفكيك الفكر السائد والزائف ذي الشعارات الفارغة التي تستحضر كل ما فيه إيذاء للنفس والجسد.. شعارات تنشر الأحزان وتطمس الأفراح. في حال كهذه، تبدو القراءة ملاذنا الأول إذا ما أخذت على نحو جدي، وعومل المشروع كمشروع حيوي وفعال، وليس شعاراً فقط، مثل هذا المشروع يستدعي تفعيل الأفكار المستنيرة، القادرة على مواكبة خطاب الحياة.. مشروع كهذا لن يكتمل إذا لم تتم إعادة مشاريع ثقافية الى الواجهة كمشروع المكتبات في المدن والأحياء، وتضاف إليها الأسواق والحدائق والمؤسسات الربحية والتجارية؛ لأن من شأن ذلك تجديد الأفكار وإشاعة العلم والثقافة. أخيراً.. مشروع القراءة لا يُعنى فقط بالآداب والثقافات من شعر وقصة بل يُعنى بسائر العلوم والاختراعات، والمفردات والأوعية الثقافية والفكرية كافة.