في بهاء الليل، مع اتشاح السماء بالنجوم، كانت باريس تعيش إحدى لياليها الجميلة على إيقاع الموسيقى والحب والفرح، بين رائحة الورد على وجه الحياة الجميل، باريس حيث الجمال بامتياز، والحرية الجارية فيها كنهر السين، لا تحيد ولا تختل.. في ذلك الليل عبر البرابرة من داخل خريطة أوروبا، منارة حقوق الإنسان الفردية، عبروا بكل توحشهم وجهلهم ليضربوا في عمق ذلك الإيمان بالحياة الذي لم يفهموه ولم ولن يدركوه، عبروا ليطعنوا الحياة في القلب، وينشروا الذعر في كل العالم ويسكبوا نارهم على نصاعة القلوب واخضرار الأرض، على التفكير المفتوح والمشرع لاستقبال اللحظات ومعنى اليوم، عبروا تاركين السم يستشري في جسد الشجرة الخضراء الوارفة، الشجرة الممتدة حد الآفاق الرحبة والمفتوحة لكل الجميلين، الذين لا ينكسر الأمل في عيونهم ولا ينال الشر منهم مهما عبث البرابرة في وجه الأيام. عند التحديق في مشهد ما حدث في تلك الليلة القاسية على الفرنسيين، نكون أمام الفزع تماماً، الفزع الذي يأتي كانهمار رماد بركاني يحط على سكينة الليل، حيث تلك العشوائية التي اغتالت بدم بارد قصص الفرح وقصص الحب، قصص النجاح، اغتالت فرحة وابتسامة وضحكة في لمح البصر. إن ما حدث لا يتطلب وقفة تضامنية فقط بين البشر، بل هو بحاجة إلى إعادة النظر تماماً في قياس العقل والشعور البشريين. والتساؤل إلى أي حد يمكن أن يصل هذا التوحش في العالم، سواء عبر الدول أو التنظيمات الإرهابية. فهذا التوحش يشير إلى أن المسيرة البشرية مع كل هذه الدماء الكثيرة التي تسيل وكل هذه البشاعة المنتشرة على مختلف بقاع الأرض، أوشكت على الإفلاس الكلي من القيم الإنسانية التى ما فتئت البشرية تكسبها حتى باتت توشك على الانهيار. نحن بحاجة إلى مراجعة شاملة لكيفية تعاطينا كبشر مع معنى إنسانيتنا قبل كل شيء، مهما كان روحانياً أو مادياً أو معنوياً، فهذا الموت المجاني المستشري في الحياة اليومية للإنسان يحتاج حقاً إلى وقفة فكر، والتوقف عن دس السموم في الأفكار والولاءات والانتماءات والمعتقدات.