تتراقص الأوراق بين أحضان الأغصان، فتسمع الفنان صوت الحياة العذب، وتشبع عينيه باللون الأخضر، يمر الوقت وتقترب لحظة الوداع، تتساقط الأوراق معلنة انهزامها أمام سلطان الوقت، ويبدأ اللون الأخضر بالانسحاب، لكن الفنان لم يزل يرى الخضرة تتملك تلك الأوراق، فيقوم بجمع تلك الأوراق المتناثرة تحت الشجر، يمسك بالخيط ويبدأ بتثبيت الأوراق على خصن، هذا الغصن قد تبرع بجسده من أجل رقصة الموت، تبدأ الأوراق بالغناء من جديد، فيقدم لها الفنان رأساً ويدين لتكمل رقصة المرح والطفولة المغلفة بالبراءة، تستبشر الأوراق خيرا وتكتسي الأوراق جسد الدمى الخشبية. لغة التواصل التي يطرحها الفنان، عبر الدمى الخشبية لغة تتحدث بصوت الصمت، تجبر الدمى الخشبية المشاهد على العودة إلى مرحلة الطفولة، حيث الحوارات الواقعية، والتي نظن نحن البالغين بأنها خيال، بينما هي واقع تتعايش معه البشرية، في مرحلة الطفولة، والمقترنة بالبراءة، تتحقق المعجزة، يسمع الطفل حديث الجوامد، الناطقة بلغة لا يدركها غير هؤلاء الأطفال. عندما يتأمل الفنان تراقص الأوراق، يعود لمرحلة الطفولة، ويبدأ بتذكر لغة الكلام التي تتحدث بها الأوراق مع الأغصان، فيشعر بالغيرة ويرغب بالمشاركة في الحديث، فيقوم الفنان بجمع الأوراق المتساقطة من أعلى جذوع الشجر، ويحكم ربطها بالأغصان، مشكلا عبر أصابعه دمى خشبية، تحمل سمة النحت البيئي، هذه الدمى الخشبية قادرة على النطق بنفس اللغة، التي تتحدث بها الأوراق مع الأغصان، لكن الدمى الخشبية لا تكتفي بالنطق، بل تتخذ دور المترجم الذي يحول لغة الجوامد الرمزية، إلى لغة البشر الكلامية، بذلك تحمل الدمى الخشبية سمة التواصل. أثناء العرض تلتقي ذاكرة المشاهد بذاكرة الفنان، وتبدأ الذاكرة المهجنة بتكوين رؤية للمستقبل، وحنين للماضي، يحاول الفنان تلمس الدمى الخشبية، فيشعر بدفء الحياة، يبعد يديه خوفا، من المجهول القادم بعد الدفء، وتجول في رأسه تساؤلات حول حقيقة الدفء الذي شعر به، هل هو قادم من الدمى الخشبية، أم من الذاكرة المهجنة والمشتعلة، يعاود الكرة لكن لا يشعر بالدفء بل بخشونة ثوب الدمى الخشبية، فيدرك بأنها راحلة، رغم رغبة الفنان بحياة أمدية لتلك الدمى، فالوقت يفضح سكان الكرة الأرضية، ويطلعهم على حقيقة الحياة الزائلة، فكل تلك الرغبات والذكريات ستنتهي وتتجمد أمام سلطان الفناء. يطلعنا الفنان عبر الدمى الخشبية على حقيقة الذات، المغتربة داخل وخارج الجسد، فهذه الذات تريد أن تسكن الدمى الخشبية أملا في معايشة الماضي، أو التطلع إلى المستقبل، تأبى الدمى الخشبية إسكان ذات الفنان، لأنها تعلم بأن الذات راحلة، ورحيلها يكون مصحوباً بالحزن والألم، وهي الآن سعيدة من غير ذات الفنان، وقادرة على إسعاد كل من الفنان والمشاهد، عبر رقصة الفن، التي تؤديها على سطح المعارض، لا يستطيع المشاهد رؤية الرقصة، بل يشعر بتلك الرقصة عبر البصيرة الناتجة من لقاء بصر المشاهد مع جسد الدمى الخشبية. هدى سعيد سيف | science_97@yahoo.com