لم يكن بالإمكان الفصل بين ما كنت أقرأه خلال رحلتي الجوية - التي استغرقت 8 ساعات- في كتاب «قضايا المرأة العربية.. بين الخصوصية والتدويل» لأستاذة العلوم السياسية الدكتورة مريم سلطان لوتاه، وبين ما استمعت له في نفس الرحلة من حديث إذاعي استضافه «ستيفن هارفي» مع سعادة ريم الهاشمي وزير الدولة، فقد وجدت في المقابلة تطبيقاً عملياً لما جاء في الكثير من محاور وفصول الكتاب الذي يطرح المعادلة الصعبة التي تواجهها المرأة العربية في مختلف أقطار الوطن الأكبر، في تمكينها من حقوقها التي تقدمها المواثيق الدولية بما لا يتعارض مع الخصوصية الثقافية للمجتمعات العربية، في الوقت الذي لا يجعل من هذه الخصوصية قيداً يعيق الإصلاح المجتمعي وإصلاح حال المرأة، ودون السماح لهذه للقوانين في الوقت ذاته من تحقيق فرص اختراق للشأن الداخلي لمجتمعاتنا العربية. بلا أي مبالغة، تعد المرأة في أي مجتمع هي «الترمومتر» الحقيقي لقياس قدرة أي جماعة بشرية والتعرف على إمكاناتها الثقافية والاجتماعية والاقتصادية! وذلك سواء لكونها تمثل نصف الجماعة، أو لكون حالها -وهذا الأهم- الأكثر حساسية وتأثراً لأي قوى محيطة. وهي الحساسية التي جعلتها كذلك - في مختلف الأزمنة والحضارات - مفتاح فهم الشعوب من الناحية الفكرية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ومركز اهتمام لكل من رغب في اختراق الداخل الاجتماعي لأي جماعة. وهو ما تركز الدكتورة مريم لوتاه في كتابها على المرأة العربية عبر مادة معرفية رصينة عن الواقع العربي، وخلال عدد من المحاور التي تظهر فيها جلياً معضلة ضغوط الخارج وجدواه، وضغوط الداخل وأهميته. يحاول الكتاب الصادر حديثاً عن مركزا الخليج للدراسات الوصول إلى رؤية عربية أكثر اتزاناً وموضوعية لواقع المرأة وإمكاناتها، قد تسهم في إحداث تغيير على المستوى الفكري العربي، وهو تغيير يشبه كثيراً ما يمكن قراءته في واستلهام نتائجه من إنجازات شخصية تماثل السيدة ريم الهاشمي التي أكدت بما قدمته الدكتورة مريم لوتاه في كتابها، بأن تغير وضع المرأة العربية غير مرتبط بالاتفاقيات الدولية وإن مثلت ضغوطاً باتجاه تحسين حالة ما، فالمحرك الرئيس باتجاه تحسين حال المرأة داخلياً، يتمثل بالدرجة الأولى بالفهم الصحيح للثقافة العربية وموقفها من المرأة، للوصول لرؤية مستنيرة تجاه المرأة تكفل حقوقها وتصون أمنها وتمكينها، لتكون شريكاً فاعلاً في مجتمعها.