في طريقي إلى العاصمة الحبيبة أبوظبي، عدت مجددا إلى قلبها الحاضن النابض دائما، بعد سنوات التكوين الأولى في العمل الصحفي، أبتسم بصفاء الذي يخلد إلى ذاته، مستحضرا ذكرياتي لكل من وضع جديدا وأضاف إلى تجربتي وأثراها، هي ذاتها في بوحها وصفاء سريرتها وهي المطمئنة الدافعة ماءها للروح وفي تعزيز السرور للنفس. في طريقي لها عودة للتماهي مع العقل، وركل لجمود الوقت والفراغ، ولملئ حقيبة الأيام بالمعرفة والقدرة على السعي نحو الأفضل. تسكن التفاصيل سنواتها الثرية وكلما لمست أمكنة القرار الأجمل الأصعب، سرك أن تختار قلبها وأفئدة الأماكن فيها، الغاية حجمها نبيل والمحطات عمر لو فتحت أيامه لتناثرت كل العطور الزكية، فهي غاية القاصدين دارها والمتأملين لياليها السعيدة. في الطريق، وأنت تتبع أول السير إليها يغريك صفاء الكتابة، ويأخذك الوصف في الموجة الدافئة، ضحكاتها الصافية، وأنت في شعور بأن أحدا ما يطرق باب قلبك ويملؤه بالحب وبأنك تتبع غواية ما لتعب المزيد من الكلام المتدفق بالمسرات. أعود لتقصي وجودي الذي كان راكضا في الصباحات للعمل بنشاط الشاب الممتلئ عشقا لمهنته، التي حلم بها بحب وسعادة، أعود وأتذكر ساعات المساء المتأخرة، التي تترك فيها المحال والمقاهي والمطاعم أبوابها مفتوحة حتى ساعات الصباح الأولى لتلبية احتياجات من هم في مثل ظروفي فهم يدركون أنني أعود إلى البناية التي نام سكانها، وأقفل جاري العازب مطبخ أحلامه. أعود وأحلامي معي وأنا أتقدم في العمر، وأبتسم لقلبي وأقول «أكيد لم يتحول الأصدقاء إلى ذكرى، وأن مطبخهم العامر شغبا مازال صالحا، وأن في قلوب هؤلاء الأصدقاء القدامى متسع لحلم أكبر نحلمه معا». أعود متصالحا مع نفسي، يسكنني هدوء المتوكل على ربه، الراغب في رد جزء من جميل الوطن الذي يطوق عنقي، أعود محملا بآمال كثيرة وأحلام ستتحقق طالما كان هناك الإيمان بالوطن الذي يعطي بلا حساب، أعود إلى المدينة التي حفرت في ذاكرة أيامي ذكريات الأحلام الأولى، والخطوات المتحفزة، والآمال العريضة طالما بقي في العمر بقية. أبوظبي العاصمة حين تحفظ أسرارك التي تركتها على مرافئها، وإلى موسيقاها التي تميزها، وإلى كل من احتفى بك فيها، تجد أنك تفتح زمنا لا يمكن إلا وأن تصفه بالرائع. زمن فيه كل الأصدقاء ناصعين ومهمين وحدك من تقف لتقدم الشكر لهم. أبوظبي التي تسكنني منذ سنوات، ها أنا أعود لأسكنها.