انتخابات باكستان الأخيرة لم تختلف عن سابقاتها إلا في أمر وحيد هو صعود حركة الإنصاف بقيادة لاعب الكريكيت السابق عمران خان إلى السلطة، مستفيداً مما لحق بحزب الرابطة الإسلامية من ضعف على خلفية الحكم على زعيمه رئيس الحكومة السابق نواز شريف بالسجن والغرامة بتهمة الفساد (بدليل أن مرشحه وزعيمه الجديد شهباز شريف أخفق في الفوز بمقعد برلماني)، ومستفيداً أيضاً من أفول شعبية حزب«الشعب» الذي كان يوماً ما حزباً جماهيرياً كاسحاً، وذلك بسبب فضائح الفساد التي لاحقت زعيمه السابق آصف علي زرداري من جهة ثم بسبب أيلولة قيادته من جهة أخرى إلى شاب خجول لم يتعلم بعد أبجديات السياسة والحكم ونعني به «بيلاوال بوتو زرداري» ابن «بي نظير» من زوجها «زرداري»، علما بأن «بيلاوال» لم يستطع الفوز بمقعد لنفسه في البرلمان، وهو ما عدّ فضيحة لوريث «آل بوتو»، وهزيمة نكراء لحزب «الشعب» المتنفذ تقليديا في إقليم السند.
صحيح أن عمران خان نجح في كسر ثنائية الرابطة الإسلامية ــ الشعب التي ظلت تتناوب على السلطة في العقود الأخيرة، وحقق بذلك حلم حياته. وصحيح أن حزبه نجح في الحصول على أغلبية مقاعد إقليم البنجاب (معقل عائلة شريف الإقطاعية، وأكبر أقاليم باكستان، سكاناً، وأهمها من الناحية الاقتصادية)، وأغلبية مقاعد إقليم خيبر بختونخوا، الأمر الذي يعني إدارة حزبه لهذين الإقليمين عبر تشكيله حكومة محلية في كل منهما. لكن الصحيح في المقابل أن أمامه صعوبات وتحديات في قيادة باكستان إلى بر الأمان و تنفيذ وإنجاز الوعود التي قطعها على نفسه. فداخلياً يواجه الكثير من المشاكل الأمنية معطوفة على حالة اقتصادية بائسة نجد تجلياتها في ديون البلاد الخارجية البالغة أكثر من 90 مليار دولار، وديونها للبنوك الوطنية البالغة أكثر من 60 مليار دولار، علاوة على خلل كبير في المستويات المعيشية والخدمية وارتفاع معدلات البطالة والتضخم، ناهيك عن تفشي الفساد الذي جعل عمران خان يتخذ من محاربته والقضاء عليه هدفاً يتصدر برنامجه الانتخابي.
أما خارجياً فيواجه أيضاً جملة من الملفات الكبيرة مثل علاقات التحالف التاريخية مع الولايات المتحدة المصابة بعدم الثقة منذ فوز الرئيس ترامب بالرئاسة الأميركية، ثم علاقات بلاده المتأزمة منذ الأزل مع الهند، وأخيراً علاقات بلاده مع جارتها الأفغانية المصابة بالكساح بسبب ما يُقال عن تدخلات إسلام آباد في الشأن الأفغاني ودعمها «المزعوم» لأنشطة الميليشيات الطالبانية ضد حكومة كابول. هذه الملفات وغيرها من الملفات الخارجية قد تشكل تحدياً لعمران الحاصل على شهادات في الفلسفة والسياسة والاقتصاد من جامعة أكسفورد البريطانية.

عمران راح يمتدح ويشيد بدور قوات الأمن والجيش في تأمين الانتخابات وإنجاحها واصفاً إياها بأنها أنزه انتخابات في تاريخ باكستان. وسبب هذا الإطراء مفهوماً، وهو فوزه بأكثر عدد من مقاعد البرلمان (115 من أصل272). ذلك أنه لو لم يتقدم على خصومه لهاج وماج واتهم الجميع بالتآمر ضده مثلما فعل مراراً وتكراراً منذ تقاعده عن لعب الكريكيت ودخوله حلبة السياسة في عام 2002 من خلال حصوله آنذاك على مقعد في البرلمان كنائب عن مدينة ميانوالي في إقليم البنجاب. والملاحظ في هذا السياق أيضاً أن عمران، بمجرد ظهور نتائج الانتخابات الأخيرة دعا خصومه إلى الإقرار بهزيمتهم وعدم رفض النتائج من خلال التحشيد الشعبي والتظاهر والاعتصام ومنع الحكومة من العمل، على نحو ما هدد به بعض الأحزاب والجماعات الخاسرة وفي مقدمتها الأحزاب والجماعات الإسلامية المنضوية تحت «تحالف مجلس العمل المتحد» بقيادة الأصولي المتشدد فضل الرحمن الذي خسر مقعده البرلماني فيما لم تفز جماعته إلا باثني عشر مقعداً بعدما كان لها في البرلمان السابق أكثر من ذلك.
وهذا بطبيعة الحال عكس ما دأب عمران على فعله في كل مناسبة انتخابية في الماضي، حيث شوهد على الدوام في مقدمة المحرضين ضد الحزب الفائز سواء كان الرابطة الإسلامية أو حزب الشعب، وعلى رأس المتظاهرين والمعتصمين والمضربين من أجل معارضة عمل الحكومة.

*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي- البحرين