كان من الواضح، خلال وبعد انعقاد القمة الروسية الأميركية، أول من أمس الاثنين، في هلسينكي، أن بوتين جاء متأهباًِ، مع صورة واضحة للمصالح التي قد يتقاسمها مع الرئيس الأميركي، حتى وإن كان أي منهما في وضع يمكنه من تحقيق شيء ملموس. والأمر المشترك الأكثر وضوحاً كان هو سوريا، حيث يريد ترامب سحب القوات الأميركية في أسرع وقت ممكن، لكن من دون التنازل عن أراضٍ لوحدات إيرانية أو لـ«حزب الله» الموالي لإيران في لبنان. بينما يريد بوتين أن يخرج الأميركيون حتى يستطيع حليفه، الرئيس بشار الأسد، السيطرة على مزيد من الأراضي، لاسيما المناطق الغنية بالبترول التي يحتاج إليها لتوليد الإيرادات اللازمة لإعادة بناء البلاد. وربما يدعم بوتين فكرة الحد من النفوذ الإيراني في سوريا، مقابل تنازلات أميركية بشأن أوكرانيا، مثل الاعتراف بالقرم جزءاً من روسيا، الأمر الذي أشار ترامب إلى أنه من الممكن النظر فيه. ومع ذلك فإن بوتين يدرك بأن ترامب لا يمكنه الاعتراف رسمياً بالاستيلاء على الأراضي دون موافقة الكونجرس. لذا، بدلا من السعي إلى اتفاق ذي مغزى بشأن سوريا، فربما وعد بوتين ترامب باتفاق لا ينوي الوفاء به، وهو التكتيك الذي اتبعه الزعيم الروسي عدة مرات في المحادثات حول سوريا وأوكرانيا مع فرنسا. ورغم أن ترامب يحب الإعلان عن الصفقات؛ فلم يتضح ما إذا كان لدى بوتين شيء ما حول سوريا، ولو نسخة جديدة من «مناطق خفض التصعيد» الخالية من القوات الإيرانية. وهناك منطقة أخرى للمصالح المشتركة، وهي تقويض الاتحاد الأوروبي، خاصة حكومة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في ألمانيا. وبالنسبة لترامب، فإن الأمر يتعلق بالفوز في حرب تجارية وبإخضاع ما يرى أنهم مجموعة «الركاب المجانين». وبالنسبة لبوتين، فالأمر يتعلق بإنهاء العقوبات على بلادها عبر الدفع بمزيد من الحكومات اليمينية في أوروبا، كما حدث في إيطاليا والنمسا والمجر، لاستئناف التجارة كالمعتاد مع روسيا. لكن الرجلين لم يتوصلا لإجماع بشأن إضعاف ميركل؛ فالزعيم الروسي حريص على مد خط أنابيب «نورد ستريم 2» إلى ألمانيا للحد من إمدادات الغاز الطبيعي عبر أوكرانيا. وترامب لا يبالي بشأن الأوكرانيين، لكنه يعارض «نورد ستريم» لأنه سينافس إمدادات الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة. لكن بالنسبة لبوتين، فإن خط الأنابيب المذكور لا يعد ورقة مساومة، بل جزء حيوي من استراتيجيته للطاقة. ورغم اشتراك ترامب وبوتين في ازدراء أوروبا، فإنهما لم يتفقا إلى الآن على خطة عمل مشتركة. ومن ناحية أخرى، فإن بوتين مهتم بتشجيع تفكك حلف «الناتو»، الذي سخر منه ترامب مراراً وتكراراً. لكن زيارة الرئيس الأميركي إلى مقر الناتو في بروكسل هذا الأسبوع أظهرت أنه لا يعتزم أن يعصف بالحلف. وتبقى الأولوية الأعظم بالنسبة لبوتين هي إلغاء العقوبات التي تمنع رأس المال الروسي من التداول بحرية، حيث إن النظام الاقتصادي التي وضعه يتطلب الوصول إلى الأسواق الخارجية. ومع ذلك، يدرك بوتين أن ترامب لا يمكن رؤيته وهو يتراجع بشأن العقوبات الروسية، وأن الكونجرس ربما سيمنعه من القيام بذلك. إن ترامب وبوتين يتقاسمان بعض الاهتمامات والأهداف، لكن يبدو إلى الآن أنه لا يزال من الصعب إضفاء طابع رسمي عليها، أو حتى حشدها في صفقات معلنة يتمسك بها الجانبان. يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»