بروز العلاقات الصينية العربية اليوم، يعد بلا ريب كاخضرار متجدد لأغصان شجرة مثمرة من العلاقات التي نمت عبر آلاف السنين.. وقد بلغ حجم التبادل التجاري الصيني العربي عام 2017 نحو 200 مليار دولار، وتجاوز حجم الاستثمار الصيني في الدول العربية 1.2 مليار دولار، بزيادة 10? سنوياً. أحد الباحثين الصينيين الأوائل في مجال العلاقات العربية الصينية، «بدر الدين حي الصيني»، الذي درس في جامعة الأزهر، وصدرت الطبعة الأولى لكتابه «العلاقات بين العرب والصين» سنة 1950، يشرح بعض أسرار ثراء التجار السوريين في هذا الكتاب، ويقول: «لا ريب في أن السوريين كان لهم باع طويل في التجارة البحرية مع الصين والهند.. وكانوا يبيعون صادراتهم في خليج فارس أو عدن إلى تجار الصين بثمن مضاعف، وضاعفوا قيمة الواردات في أسواق الشام. وأهم الواردات من الصين كانت الحرير بأنواعه، وقيل إنهم باعوه بالذهب على قاعدة الوزن بالوزن». وربط اختراع الصينيين للورق وصناعته بين العرب وتلك البلاد. وورد في الكتاب أن صناعة الورق «نُقلت إلى مكة في سنة 88هـ (707م)، بعد ثبوت أن صناعتها قد عُرفت في سمرقند. والذي اخترع الورق هو «تساي لون»، وفق رواية مشهورة عند الصينيين، وقد عاش في القرن الأول للميلاد وهو من أهل «هانغ جو»، وقد «كثرت فيها أشجار التوت التي يصنع من قشورها الورق». ومن المناطق العربية التي لا يرد ذكرها كثيراً في مجال العلاقة مع الصين بلاد السودان. وقد درس الباحث السوداني د. جعفر كرار أحمد هذه العلاقة في ورقة مقدمة إلى ندوة مجلة «العربي» بالكويت، قبل سنوات، بعنوان «العرب يتجهون شرقاً». وأشار د. كرار في ورقته إلى الآثار والموجودات في ميناء «عيذاب» حيث «عثر الآثاريون والباحثون السودانيون والأجانب على آلاف القطع المتناثرة من الخزف الصيني على طول ساحل عيذاب». وكانت بعثة سودانية فرنسية قد أجرت حفريات مشتركة في ساحل عيذاب، خلال الفترة 1979-1981، وكشف عن كميات كبيرة من الخزف الصيني تعود للفترة بين القرنين الـ11 و15 الميلاديين. ويشير د. كرار إلى «أسرة الكاريمي» التي تذكر المصادر الصينية أنها كانت تدير بنكاً خاصاً وتتاجر مع الصين بالخزف والملبوسات والمنسوجات. ويضيف د. كرار أن أسرة الكاريمي السودانية كانت تضم مجموعة من التجار الذين تاجروا مباشرة مع الصين بين القرنين 13 و15. ويشير «المقريزي» إلى أن تجار الكاريمي كانوا من حيث الغنى بمكان سمح لهم بقرض سلاطين المماليك. ويقول د. كرار، إن أسرة كاريمي قد لا تكون يهودية إذ «من المعروف أن مجموعة الكاريمي ساهمت في تشييد عدد من المساجد والمستشفيات والمدارس في مكة المكرمة والقاهرة.. هذا بالإضافة إلى أن أسماء وألقاب هذه الأسرة أسماء إسلامية وليست يهودية». ومن موانئ السودان التي اشتهرت «سواكن»، وهو ميناء «يصعب تحديد تاريخ نشأته، إلا أنه كان معروفاً في الأسرة الفرعونية السادسة (3000 ق.م) عندما وجد البحارة المصريون القدماء طريقهم إلى البحر الأحمر، ومن ثم إلى أرض البنط Punt وميناء «سواكن». ولم تكن سواكن أقدم موانئ السودان، «ولكن أكثرها شهرة. وفي قمة ازدهارها، نشطت التجارة بينها وبين جزيرة العرب والحبشة ومصر والهند والصين». ويضيف د. كرار: «ازدهر هذا الميناء بشكل خاص، بعد أن دمر أحد قادة المماليك في نحو عام 1428م ميناء عيذاب، حيث انتعشت حركة الحجاج والبضائع في سواكن». ويقول الباحث، إن سواكن احتفظت بعلاقات مع الصين حتى بعد سقوط القسطنطينية في عام 453 أو شروق الإمبراطورية العثمانية، إذ استمر ميناء سواكن وميناء جدة يستقبلان السفن القادمة من الهند والصين». ورغم تدهور تجارة البحر الأحمر في العهد التركي، واحتلال الأتراك لميناءي سواكن ومصوع، فإن الميناءين «احتفظا بنوع من التواصل مع الصين». ويشير د. كرار إلى وجود علاقات بين حركة «تاي بينغ» الثورية في الصين 1851 -1866 والثورة المهدية 1881 -1899 في السودان، وإلى أن معطف «جوردون» الأصفر، إذ كان جوردون قد ساهم في قمع الثورة الصينية وحصل على ذلك المعطف تقديراً لدوره. ويلاحظ د. كرار أن قادة الثورتين كانوا ذوي ميول دينية: «كان الحافز الديني أساسياً عند هونج هسيوشوان وجيشه، فأينما ذهب الجيش، فإن المعابد والأديرة والأصنام، إما أُحرقت أو حُطّمت، كما اهتم بنشر الفضيلة والقيم النبيلة والتضحية بين أتباعه.. والثورة المهدية كانت ثورة ذات طبيعة دينية ووطنية». ويشير الباحث إلى مساهمات التاجر السوداني «محمد الحاج علي»، المعروف برحلاته التجارية، والذي أسس لأول مرة ومنذ قرون طويلة، أول مكتب تجاري سوداني دائم في الصين. وقد تزوج بزوجتين مسلمتين من الصين. ويقول د. كرار: «هذه الأسرة أصبحت سودانية بشكل كامل في الملبس والثقافة»، بينما ظلت «الملامح الصينية موجودة، خصوصاً عند بعض الأحفاد الحاليين»، وهم الآن معلمون وأطباء «يقفون بملامحهم الصينية السودانية رمزاً للتواصل الذي لا ينقطع بين الصين والسودان»!