عودنا قارئ «الاتحاد» الكريم على أن نكتب له مقالاً في كل عيد من أعيادنا الدينية السنوية كمسلمين وهما عيد الفطر وعيد الأضحى نتناول فيهما عادة أوضاع وأحوال العالمين العربي والإسلامي من النواحي السياسية والأوضاع المتردية على هذا الصعيد، لكننا في عيد الفطر المبارك هذا سنبعد عن هموم السياسة وهموم العرب التي فيها الكثير مما لا يسر ولا يفرح من أحداث ونكبات وتقلبات تجلب الهم، وسنعرج به إلى إيمانية من خلال قراءتنا للقرآن الكريم طوال أيام شهر رمضان الذي انقضت بلياليها بحلول عيد الفطر السعيد، الذي نتمنى أن يعود علينا وجميع قيادات وشعب الإمارات وقراء «الاتحاد» الكرام وهم يرفلون بأثواب الصحة والعافية وينعمون بنعم الأمن والأمان التي يعيشها وطننا الغالي في ظل القيادة الحكيمة والرشيدة لحضرة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان وإخوانه أعضاء المجلس الأعلى للاتحاد حفظهم الله جميعاً وأبقاهم ذخراً وسنداً لدولة الإمارات كوطن ولشعبها الأبي المخلص. من قراءة آيات الذكر الحكيم يجد الإنسان نفسه وهو يقف أمام الرسالة المحمدية فيجد فيها أنها أنزلت بدين يتميز بخصائص تختلف عن جميع ما سبق من ديانات سماوية من زاوية أن الإسلام يبني الإيمان على العقل والعلم جنباً إلى جنب بعيداً عن وجود المعجزات الحسية، فأول ما نزل من القرآن هي آيات تأمر البشر بالقراءة، وتلفت انتباههم إلى اعتبار الخلق الدال على الخالق وإلى نعم المولى عز وجل على خلقه من البشر بالعلم. القرآن في العديد من آياته ينبه الإنسان إلى ما خلقه الله فيه من عقل وحواس، ويدعوه إلى استعمالها والاستفادة منها إلى جانب تعظيمه لموضوع العلم والحكمة والعلماء والحكماء، ويأمره بالتمعن بالنظر إلى ما هو ظاهر من آيات الكون الرحيب، وتشويق لمعرفة ما هو مجهول وخافي منها، ويصف الغافلين عن التفكير في ما يشاهدون بأنهم مقصرون ومنهم عيباً عليهم تداركه. ومن جانب آخر، يلاحظ بأنه إذا كان القرآن يتحدث كثيراً عن الخالق وعن صفاته وتدبيره لشؤون هذا الكون، فهو يتحدث أيضاً عن هذا الكون من وجوه شتى، فهو يخبرنا عن المراحل الكبرى لظهور هذا العالم المادي من أصل واحد، وعن الإحكام والتناسب في كل شيء فيه، وعن تنوع الكائنات الحية فيه واشتراكها في مادة واحدة، وعن بناء السماء وقيامها بلا أعمدة مرئية أو روابط تمسك بها، وتوازنها بكل ما فيها من مجرات ونجوم وأجرام وأقمار ووقوعها في مواقعها وفق حساب دقيق، وعن المظاهر الجوية والفلكية الكبرى وتنوع الكائنات الحية جميعها، وعن البشر من جوانب لا حصر لها كحقيقتهم ومراحل خلقهم، ورسالتهم في هذه الدنيا، ومصيرهم في الدنيا والآخرة. وهنا يلاحظ بأن حديث القرآن حول كل ذلك ليس قصة تروى، بل أوامر هدفها توجيه العقل والحس البشري إلى ما هو متواجد في هذا الكون لدراسته بغرض الاستقراء الشامل لكل شيء وفقاً للروح العلمية التي تهتم بالواقع وقوانينه وبناموس الكون، والروح الفلسفية التي ترتقي بتفسير الأشياء والوقائع إلى عللها الأولى وغاياتها النهائية بغرض استفادة الإنسان الاستفادة القصوى من كل ما يحيط به. إن قراءة القرآن والتمعن في الآيات التي وردت فيه توضح بأنه يشتمل على أحكام كلية يهتدي بها الإنسان، وينبه إلى جوانب مهمة يجعلها البشر موضع نظرهم العقلي والحسي عند النظر إلى هذا الكون. إن هذه الأشياء منها ما له علاقة بهيئاتها وصفاتها الحسية، ومنها ما له علاقة بالمقادير المادية والأبعاد الزمنية، ومنها ما له علاقة بطبائع الأمور وما ينتج عنها، ومنها ما يتعلق بما في خلق الأشياء والكائنات من أحكام وغائية وحكمة، ومنها ما له علاقة بما يسود نظام الكون من دقة واطراد يستند إلى الحتمية التي تدل على قدرة الخالق عز وجل وحكمته التي وضعها كسر من أسراره في عقول وأفئدة خلقه من البر. إن هذه الأحكام والجوانب جميعها من الأسس الكبرى للإيمان الصحيح بوجود هذا الخالق وقدرته على فعل كل شيء، جعلنا الله وإياكم من الراسخين في الإيمان به إيماناً صحيحاً خالصاً، ومن الحاملين للعلم والحكمة والبصر والبصيرة، وكل عام وأنتم بخير وعافية وسعادة. *كاتب إماراتي