أصبحت الصين تنيناً عملاقاً يستحوذ على اهتمام العالم، وهي دولة يقطنها 1.3 مليار نسمة مما أهلها لأن تصبح قوة سياسية عظمى ولكنها تسارع الخطى لكي تصبح ورشة العالم الاقتصادية أيضاً. لقد ظلت الصين لسنوات عديدة تشهد نمواً اقتصادياً بمتوسط 9 في المئة في كل عام قبل أن تحقق إنجازات عديدة في شتى المجالات. حيث أصبحت تتبوأ المرتبة الثانية في العالم كأكبر دولة مستهلكة للنفط وازداد مستوى وارداتها النفطية بمعدل 40 في المئة في عام 2003 لتصبح أكبر منافس للولايات المتحدة الأميركية على واردات النفط من منطقة الشرق الأوسط والسودان وكندا وفنزويلا بعد أن شكلت عاملاً مهماً في ارتفاع أسعار النفط. وفي مجال التجارة الخارجية فقد شهدت الصين نمواً متعاظماً إلى درجة أنها تسببت في حدوث أزمة في عمليات الشحن العالمية مما دعاها لاستثمار مبلغ 4 مليارات دولار في إنشاء مرافق لبناء السفن وهي تهدف إلى أن تصبح أكبر دولة في العالم في مجال بناء السفن بحلول عام 2015.
بل إن الصين قد تهيأت لأن تصبح الدولة الأكبر في العالم في مجال صناعة الملابس والمنسوجات أيضاً. وفيما يختص بمجال الاستثمارات فقد أصبحت الصين من كبار المستثمرين في مجال صناعة التكنولوجيا المتقدمة ولديها مصنع لتجميع أجزاء السيارات في إيران بالإضافة إلى مجموعة من مصانع الإسمنت في السعودية.
على أن هذا النمو الهائل قد أدى إلى تغيير جذري في مكانة الصين العالمية وبشكل اضطرت معه الصين وباقي دول العالم لإعادة ترتيب أوراقها. فعلى المدى القصير هناك حاجة ماسة إلى مراجعة أسعار الصرف الخاصة بالعملات العالمية بعد أن ثبت أن كمية مقدرة من هذا النمو قد تحققت بسبب السياسة الصينية التي تربط عملتها "اليوان" بالدولار الأميركي. ولقد أدى هذا الأمر إلى خفض قيمة "اليوان" مما يجعل السلع الصينية أرخص ثمناً ويزيد من قيمة السلع والبضائع الأجنبية والأميركية. وكنتيجة لذلك فقد أنفقت الولايات المتحدة (في الفترة من يناير إلى نوفمبر عام 2004) مبلغاً يصل إلى 1.3 تريليون دولار مقابل استيراد البضائع الصينية مقارنة بمبلغ 745 مليار دولار فقط هو قيمة صادرات السلع الأميركية إلى الصين. أما على المدى الطويل فإن الصين في حاجة ملحة إلى أن تربط مؤسساتها السياسية باقتصاديات السوق الحر. فبعد وفاة القائد الثوري الديكتاتور ماو تسي تونغ في عام 1976 سرعان ما شرع خلفه في إجراء تغييرات حذرة هادئة تهدف إلى رفع بعض القيود السياسية التي فرضها الزعيم ماو.
وإلى الآن فإن النخبة الحاكمة - أي الحزب الشيوعي الصيني- عملت على منح الدولة العديد من المكاسب الاقتصادية دون أن تحدث التغيير السياسي المطلوب. إذ لا يعقل أن تتحول دولة إلى اقتصاد السوق دون أن يوجد نظاماً قضائياً مستقلاً أو نقابات عمالية مستقلة. لكن وجود مثل هذه المؤسسات يثير الفزع في أوساط الحزب الحاكم لأسباب معروفة. ولكن الصينيين ما زالوا يتساءلون عما إذا كان التحديث والعصرنة يعنيان التخلي عن الهوية والتشبه بالغرب. ولكن التجربة اليابانية تنفي ذلك حيث إن اليابان نجحت في انتهاج العديد من الممارسات الغربية الإيجابية بفضل الاحتلال الأميركي بعيد الحرب العالمية الثانية دون أن تفقد هويتها. لذا فإن الوقت قد حان لكي يعمل العالم بقيادة الولايات المتحدة على تغيير سياساته تجاه الصين بحيث يمثل نموها الاقتصادي إضافة إلى العولمة بدلاً من مناصبتها العداء ومحاولة إقصائها وعزلها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"