فيما يشبه الاتفاق بين الفقهاء أن جرائم الحدود هي: السرقة، والزنا، والقذف، وشرب الخمر، والردّة، والحرابة، والبغي، وأن الشريعة حدّدت عقوبات أصلية لها، فضلاً عن العقوبات البديلة والتبعية والتكميلية، وهي: قطع اليد، والرجم، والجلد، والقتل، والصلب، والنفي، والتغريب، وأنه إذا تخلف شرط الجريمة الحدّية أو ثارت شبهة ما، دُرء الحدّ عن الفاعل، وعزّره (عاقبه) ولي الأمر بما يراه مناسباً، فلو تخلف في سرقة شرط من شروط اعتبارها جريمة حدّية، فإن يد السارق تنجو، لكنه لا يعود إلى بيته، بل يعاقبه ولي الأمر بعقوبة أخرى. وقد أخذت بعض الدول برأي الفقهاء، كالسعودية، واليمن، والسودان، وموريتانيا، فالمادة (263) من قانون العقوبات اليمني مثلاً تنص على رجم الزاني المحصن حتى الموت، والمادة (171) من العقوبات السوداني تنص على قطع اليد اليمنى للسارق من مفصل الكف، والمادة (306) من العقوبات الموريتاني تنص على حبس المرتد ثلاثة أيام، يقتل بعدها إذا لم يتب. وتنص هذه القوانين على مُسقطات الحدود، فبعد أن ينص القانون في السودان على جلد القاذف، يورد مُسقطات هذه العقوبة، كحدوث التقاذف بين الجاني والشاكي، ومن ثم يعاقبه بإشانة السمعة، وعقوبتها الحبس أو الغرامة. وعلى العكس من ذلك في غالبية الدول العربية التي خلت قوانينها من كل هذا، وهي: البحرين، وعُمان، والكويت، والعراق، والأردن، وسوريا، ولبنان، وفلسطين، ومصر، وليبيا، وتونس، والجزائر، والمغرب. ففي هذه الدول معظم جرائم الحدود معاقبٌ عليها لكن بوصفها جرائم عادية، كما في أي دولة تجرّم قلب نظام الحكم، وقطع الطريق، والاغتصاب، والسرقة، والقذف، وتعاقب على هذه الأفعال بالإعدام أو السجن أو الغرامة، بمعنى أن قوانين هذه الدول افترضت ضمناً أن شروط جرائم الحدود غير متوافرة دائماً، ومن ثم نظرت إليها كجرائم عادية ووضعت لها العقوبات. وقد اتخذ المشرع في الإمارات وقطر موقفاً ثالثاً، فالمادة (1) من العقوبات القطري تنص على أنه «تسري أحكام الشريعة في شأن الجرائم الآتية إذا كان المتهم أو المجني عليه مسلماً: جرائم الحدود المتعلقة بالسرقة، والحرابة، والزنا، والقذف، وشرب الخمر، والردّة..»، والمادة (1) من العقوبات الإماراتي نصّت على سريان أحكام الشريعة على جرائم الحدود، لكن ليس في القانونين نصّ على أي عقوبة حدّية، كالرجم، أو الجلد، وإنما إشارة إلى تطبيق أحكام الشريعة على جرائم الحدود. ورغم أن قوانين بعض الدول تنصّ على جرائم الحدود أو تشير إليها، كما رأينا، فلم تشهد هذه البلاد حالات رجم أو صلب أو قطع، إلى درجة أن الحالات النادرة في بعض الدول تُعد أحداثاً تاريخية يتناقلها الناس، رغم أن جرائم الحدود تقع باستمرار، ولا يمكن تصوّر أن الشروط لا تتوافر دائماً، أو أن هناك شبهة في كل مرة، والسبب أنه لا يُستسهل الأمر، ويُبذل جهد لاعتبار الواقعة جريمة قانونية (تعزيرية)، وإذا ضاقت السُبل، ولم يكن هناك بدٌ من الحكم، لم يحدث التنفيذ. ليكون السؤال الذي يبحث عن إجابة: ما دام الأمر كذلك، فلم لا يحذو المشرع في هذه الدول حذو المشرع في غالبية الدول العربية، ليزيل هذا الغموض في المراكز القانونية للأفراد، حيث يتداخل ما هو قانوني محدد وواضح في كتاب، بما هو فقهي متشعب مبثوث في مئات الكتب، خصوصاً أن هذه العقوبات تعد في القوانين الدولية الحالية انتهاكاً للإنسان، والدول المعنية تتحمل تبعات النصّ عليها، ذلك النص الذي لا يدخل حيز التنفيذ في الواقع.