في ظل ظروف معقدة وأوضاع حرجة تمر بها منطقة الشرق الأوسط، جاء الخطاب التاريخي للرئيس الأميركي دونالد ترامب، ليبشر بميلاد تحالف استراتيجي أميركي مع دول المنطقة، يؤكد على عودة واشنطن بقوة للانخراط في قضايا المنطقة، عبر تكثيف جهود الدبلوماسية الأميركية في التعامل معه. خطاب ترامب من الرياض، حمل عدة دلالات استراتيجية حول أهمية دول المنطقة ومكانتها الإقليمية، وتبني إدارته نهجاً استراتيجياً مختلفاً عن سلفه باراك أوباما، حيث يتضمن إعادة التوازن إلى السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط، خاصةً في العلاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي، التي أصبحت تشكل قوة سياسية وعسكرية واقتصادية مهمة بمنطقة الشرق الأوسط، وكذلك صياغة اقترابات جديدة في التعامل مع قضايا المنطقة، وعلى رأسها الإرهاب، وعملية السلام بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، هذا ما كان وضحاً في خطاب الرئيس دونالد ترامب. حديث ترامب أمام نحو 50 من قادة وزعماء الدول العربية والإسلامية، كان له مجموعة من الدلالات الاستراتيجية للسياسة الخارجية الأميركية تجاه الشرق الأوسط خلال المرحلة المقبلة ولعل أبرزها: تأكيد الشراكة الاستراتيجية، بعد أن شهدت السنوات الأخيرة لإدارة الرئيس الأميركي السابق أوباما توتراً مكتوماً في العلاقة بين الولايات المتحدة وحلفائها، بسبب تجاهل أوباما لتوجهات إيران وتصرفاتها غير المشروعة في الإقليم على حساب مصالح دول الخليج العربية، وهذا التجاهل كان ضمن عملية إعادة هيكلة السياسة الخارجية الأميركية تجاه الشرق الأوسط والتقارب مع إيران، بهدف تقوية ما اعتبره أوباما "الجناح المعتدل" في طهران. دعم التحالف الخليجي جزء رئيس من خطاب ترامب بتأكيده الصريح على موقف بلاده المؤيد للتحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، كما أشار إلى موقفه المؤيد لموقف الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي من الإرهاب والحرب التي يخوضها مع المتشددين، بإشارة إلى جماعة "الإخوان" الذين يلعبون دوراً مشبوهاً في تصعيد الخطاب الإرهابي بالمنطقة، علاوة على موقف واشنطن من الحكومة العراقية في بغداد وتقييمها السلبي لها. خطاب ترامب الاستراتيجي وضع الاتفاقيات الاقتصادية التي وقعها مع السعودية ضمن أولويات واشنطن عبر ضخ استثمارات في مشروعات البنية التحتية بالولايات المتحدة، فضلاً عن إبرام الاتفاقيات الأمنية، والتي حصلت من خلالها الرياض على عدد من أنظمة التسليح الحديثة، خاصةً تلك التي تسهم في تعزيز القدرات العسكرية للقوات البحرية السعودية. ولعلي أقف قليلاً عند خطاب الرئيس الأميركي "ترامب عند إشادته بدولة الإمارات التي نجحت في إحداث نقلة تاريخية حضارية في شتى المجالات منذ تأسيسها ، مما عزز رصيدها في الشراكات السياسية والاقتصاديه والعسكرية عالمياً، خصوصاً الجانب العسكري الذي أبهر واشنطن بقوله (جنود القوات المسلحة الإماراتية يدعمون جنودنا بنجاح كبير في أفغانستان)، والذي يعكس مدى نجاح المنظومة العسكرية الإماراتية، والتي تشكل جزءاً مهماً في تركيبة قوات "درع الجزيرة لدول الخليج العربي" بقيادة السعودية. كما أن إعلان السعودية تشكيل تحالف استراتيجي للشرق الأوسط يحتوي على 34 ألف جندي لمواجهة الإرهاب، هو تأكيد على اتفاق الرؤية العربية الإسلامية الأميركية، على أن المجموعات الإرهابية تعمد إلى توظيف هوية دينية زائفة بهدف تضليل واستقطاب مجتمعاتنا وشعوبنا، كما أن العصابات الإرهابية لا تمثل الإسلام بل هي خارجة تماماً عنه. مُجمل القول، يمثل الخطاب التاريخي للرئيس ترامب، بداية لإعادة هيكلة السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط، حيث تسعى إدارة ترامب إلى جعل دول المنطقة تشارك بشكل أكبر في إدارة ملفاتها الإقليمية بما يتوافق مع مصالح الطرفين، وإجماع على اقتلاع جذور الإرهاب ووقف التدخلات الإيرانية. وسينتظر الجميع بتفاؤل إيجابي لمرحلة ما بعد خطاب ترامب، لرصد مؤشرات تعزيز العلاقات بين واشنطن ودول المنطقة على أرض الواقع، وبما يخدم المصالح الاستراتيجية للطرفين.