بعد أن سيطر تنظيم «داعش» على مدينة الرمادي، عزا وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر ذلك إلى «عدم خوض القوات العراقية للقتال»، مؤكداً أن الضربات الجوية التي ينفذها التحالف الدولي «فعالة»، وأن المشكلة هي افتقار العراقيين لـ«إرادة» الحرب ضد التنظيم. والواقع أن هذا التصريح التلفزيوني ربما يكون فيه جزء من السؤال: لماذا أخذت جهود الإدارة الأميركية الرامية لإضعاف «داعش» وهزيمته تفشل؟ خلال زيارة قمتُ بها للعراق الشهر الماضي، حيث تحدثت مع شيوخ عشائر ومسؤولين، كانت ثمة أخطاء بارزة على نحو مؤلم. ولعل السبب الأول لخسارة الرمادي هو عدم مساعدة الولايات المتحدة للعراقيين السنة الراغبين في مقاتلة «داعش». فكل المناطق العراقية التي استولى عليها التنظيم توجد في محافظات مثل الأنبار ونينوى، حيث كل السكان من السنة. وأحد أسباب سقوط الرمادي هو أن واشنطن لم تساعد أولئك السنة على التصدي لـ«داعش» ومحاربته. ففي البداية، رحب بعض شيوخ العشائر السنية بالتنظيم كبديل عن حكومة المالكي الطائفية، لكن معظم الساسة وشيوخ العشائر السنية كانوا يعارضون منذ البداية، بينما بات آخرون ممن ضاقوا به ذرعاً يرغبون في طرده. لكن الاستراتيجية الأميركية فشلت في مساعدة المقاتلين السنة على طرد «الجهاديين». والواقع أن الإدارة الأميركية تدرك أنه لا يمكن هزيمة «داعش» من دون دعم القبائل السنية. فالجيش العراقي لا يستطيع القيام بذلك، وإرسال المليشيات الشيعية المدعومة من إيران لإنجاز المهمة سيؤجج الصراع الطائفي. والحال أن البرنامج الأميركي لمساعدة المقاتلين السنة في محافظة الأنبار، الذين حارب كثير منهم إلى جانب القوات الأميركية ضد «القاعدة» خلال العقد الماضي، كان يفتقر للتناغم والانسجام. ثم إن القوات القبلية السنية ليست لديها قيادة أو مهمة واضحة، وذلك لأن الحكومة العراقية ترفض الترخيص لنظام حرس وطني تستطيع تلك القوات العمل في إطاره كوحدات محاربة على صعيد المحافظات. ومن جانبها، لم تستعمل إدارة أوباما نفوذها للضغط على بغداد حتى تتبنى فكرة حرس وطني أو مد المقاتلين العشائريين بالأسلحة التي يحتاجونها. وإلى ذلك، لم تتسلم العشائر من الحكومة سوى كميات محدودة من الأسلحة الخفيفة، قصد مواجهة مقاتلي «داعش» بمركباتهم المدرعة ومدفعيتهم الثقيلة وشاحناتهم المفخخة. أما العيب الثاني في استراتيجية الإدارة الأميركية، فيتعلق بالضربات الجوية الأميركية، فأحد أسباب سقوط الرمادي هو أن هذه الضربات جاءت متأخرة ولم تستطع ضرب الأهداف المهمة مثل الشاحنات المفخخة التي اخترقت الدفاعات العسكرية العراقية. فالعراقيون حائرون ولا يعرفون لماذا لا يستطيع الطيارون الأميركيون وقف قوافل شاحنات «داعش» المتنقلة على طرق مفتوحة. والمشكلة الحقيقية تكمن في أن الإدارة الحالية ترفض السماح لمستشارين أميركيين أو مرشدين ميدانيين بمرافقة الوحدات العراقية، ما يعني افتقار الطيارين الأميركيين لمعلومات استخباراتية ميدانية كافية، ونتيجة لذلك فالطلعات الجوية الأميركية كثيراً ما تكون عديمة الفعالية. وأستطيعُ الاستمرار في تعداد عيوب الاستراتيجية الأميركية، مثل الافتقار لمخطط حول سوريا، ولكن أكبر عيب إنما يتمحور حول ما إن كان البيت الأبيض ملتزماً بمحاربة الجهاديين على نحو فعال. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون نيوز سيرفس»