عندما أقدم مجرمو تنظيم «داعش» الإرهابي على حرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة حياً داخل قفص، ونشروا فيديو مصوراً لهذه الجريمة الشنيعة، كان ينبغي لها أن تكون نقطة تحول تاريخية في الحرب ضد الإرهابيين. وقد أغضب الفيديو المروّع القبيلة التي ينتمي إليها الضحية والعرب في أنحاء المنطقة. واعتبر علماء دين مسلمون بارزون الجريمة بأنها منافية تماماً للإسلام. وعليه، يرى كثير من المراقبين أن الفيديو من شأنه حشد الدول العربية وشعوبها في معركة ضد الإرهابيين. ويبدو ذلك منطقياً. ولكن من دون استراتيجية أميركية متماسكة لمحاربة «داعش»، فستخسر واشنطن زخم المرحلة الراهنة. ويوجد من الأسباب ما يجعل من مقتل الطيار فرصة لحشد المنطقة، منها أن الطيار العسكري كان مسلماً، وبالتالي فإن لمقتله هناك أصداء أكثر من قتل الرهائن الغربيين. وعلاوة على ذلك، حاول التنظيم الاستفادة بأكبر قدر من جريمته الشنيعة، فمن الواضح أنه تعمد استهداف الأردن بسبب انضمامها إلى قوات التحالف الدولي ضد الإرهاب. وفي الوقت الراهن، يقول وزير الخارجية الأردني السابق مروان المعشر إن «الرأي العام يطالب بالثأر، ويرغب أن تلاحق الحكومة تنظيم داعش». ولكن ربما لا يمكن للحكومة الأردنية أن تفعل أكثر بكثير مما تفعل في الوقت الراهن: من حيث المشاركة في الضربات الجوية ضد «داعش»، وتبادل المعلومات المخابراتية. وفي الواقع، تحتاج الأردن، التي تتحمل عبء 1,3 مليون لاجئ سوري، مزيداً من المساعدات الأميركية والعربية من أجل مواصلة دورها الحالي. وعلاوة على ذلك، لن يحشد موت الكساسبة دعماً عربياً موسعاً لمحاربة التنظيم الإرهابي ما لم يظهر البيت الأبيض مزيداً من الالتزام تجاه هذا الصراع. ولعل تناقض منهج واشنطن، التي تحض حلفاءها العرب على محاربة «داعش» جواً وبراً، ولكنها لا تمنحهم الدعم الضروري قد يجعل بعض الحكومات والشعوب العربية قلقة من الاشتباك مع الإرهابيين. ويتشكك العرب بشأن ما يريده أوباما في المنطقة بسبب تضاربات السياسة الأميركية. وينطبق ذلك بصورة خاصة على القبائل السنية في سوريا والعراق، وبعضها يرتبط بصلات قرابة مع القبائل الأردنية، التي تعول عليها الإدارة في الصراع ضد تنظيم «داعش». وعلى رغم ذلك، تثبط المنهجية الأميركية الحالية همة القبائل السنية في المنطقة التي يسيطر عليها «داعش» في خوض المعركة ضد الإرهابيين. وذلك لأنه لا توجد سياسة أميركية للاشتباك وتنسيق المعارضة العشائرية وربطها بالضربات الجوية التي تشنها قوات التحالف. والقبائل وحدها لا يمكنها مواكبة أسلحة تنظيم «داعش» (وقد تم الحصول على معظمها من مخازن الأسلحة التي وفرتها الولايات المتحدة في العراق)، وكثيراً ما يتعرض أفراد هذه القبائل لاعتداءات التنظيم الإرهابي. وبناء على ذلك، لا يمكن توقع ثورة عشائرية سنية واسعة ضد تنظيم «داعش» ما لم يلملم البيت الأبيض بنود استراتيجية واضحة. وتعتمد إدارة أوباما في العراق على الجيش الوطني (إضافة إلى الأكراد) في المعركة البرية ضد «داعش»، في حين أن غالبية القتال الحقيقي على الأرض تقوم بها المليشيات الشيعية التي تدعمها إيران. وقد أفاد «ريك ويلش»، الكولونيل المتقاعد و«جرين بيريت» الذي خدم في العراق وهو معروف بدرايته بالقبائل السنية، أن المليشيات الشيعية تتسم بوحشية مماثلة لهمجية «داعش». وأضاف: «كثيراً ما تكون هذه المليشيات حريصة على قتل القرويين السُّنة كما تحرص على محاربة داعش». ويؤكد «ويلش» أن زعماء القبائل العراقيين ينتظرون معرفة ما إذا كان رئيس الوزراء الجديد حيدر العبادي سيكون أكثر استيعاباً من سلفه للسُّنة، وفي نهاية المطاف هل سيسلح الحرس الوطني القبلي لمحاربة «داعش»، أم لا؟ ---------- يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون نيوز سيرفيس»