بعد أشهر من السجال واحتدام الخلاف، اتفق يوم الأحد الماضي مرشحا الانتخابات الأفغانية على تشكيل حكومة وحدة وطنية يتولى فيها أشرف غني التكنوقراطي الذي ينحدر من أصول بشتونية منصب الرئيس، فيما يحصل عبد الله عبد الله، وزير الخارجية السابق الذي ينتمي إلى عرقيتي البشتون والطاجيك، على منصب جديد هو رئيس الهيئة التنفيذية الذي يعادل رئيس الوزراء. هذا الاتفاق على تقاسم السلطة جاء في أعقاب مراجعة وتدقيق للأصوات التي أدلى بها في انتخابات شهر أبريل الماضي والتي يُعتقد أنه طالتها تجاوزات عديدة، لكن ولأن هذا الاتفاق ليس له أساس في القانون الانتخابي الأفغاني ولا ينص عليه الدستور، فإنه قد لا يستمر طويلاً، كما أنه يكشف، رغم رعاية واشنطن وتوسطها للتوصل إليه، أعطاب التواجد الأميركي في أفغانستان على مدى السنوات الثلاث عشرة الماضية وفشلها في تحقيق الأهداف المرجوة، أو العبور بالبلاد من مرحلتها الانتقالية الصعبة التي أعقبت الغزو الأميركي إلى بر الأمان والاستقرار، فالمسؤولون الأميركيون ومعهم حلف شمال الأطلسي يريدون من خلال هذه التسوية المؤقتة الإيحاء بأن الديمقراطية تتجذر في أفغانستان، وأن تمرد «طالبان» في تراجع مستمر، و«القاعدة» لم يعد لها من وجود في البلاد، وبالطبع كل هذه الدفوعات ليست في الحقيقة سوى ذريعة للشروع في سحب القوات الأميركية من أفغانستان نهاية السنة الجارية، وهي الخطة التي كانت خاطئة عندما طرحت أول مرة في 2009، وما زالت الآن كارثية بكل المقاييس. فحسب تقييم «جون سوبكو»، المفتش الخاص لعملية إعادة الإعمار في أفغانستان، الذي أجمل موقفه في خطاب ألقاه في 12 سبتمبر بجامعة جورج تاون الأميركية «ما زالت أفغانستان خاضعة لهجمات المتمردين، وهي تعاني من نقص حاد في المداخيل، وينخرها الفساد، كما تعيش على وقع العناصر الإجرامية المستفيدة من تجارة الأفيون، بل تكافح لتقديم الخدمات الحكومية الأولية». وإذا كان الانتقال إلى سيادة أفغانية كاملة اعتمد على إنهاء أربع مراحل انتقالية، فإنه من المفيد التذكير بأنه لم يتحقق أي منها، رغم كل الأموال الطائلة التي أنفقتها أميركا على أفغانستان بين 2002 و2013 والتي تجاوزت 640 مليار دولار، وفي مقدمة هذا التعثر نجد الانتقال السياسي المعطوب، فبدلاً من بناء مؤسسات الدولة، أو إصلاح قانون الانتخابات شجع الرئيس الأفغاني سياسات قائمة على الزبونية وتقريب الموالين فشلت في القضاء على أمراء الحرب، وبعد أن أمن ولاية ثانية في انتخابات 2009 شابتها العديد من الخروقات، مضى الرئيس في إلغاء إشراف الأمم المتحدة على الانتخابات، فما كان من واشنطن وحلف شمال الأطلسي إلا أن سايراه في الأمر. وفيما فشل الانتقال السياسي أخفق أيضاً الانتقال العسكري، فقد كان يُفترض بالجيش الأفغاني الذي دربته أميركا أن يتولى المسؤولية الأمنية ويتصدى لهجمات «طالبان»، لكن وزير الداخلية، محمد عمر داوودزاي، وفي حديثه خلال الشهر الجاري أمام البرلمان في كابول، قال إن الأشهر الستة الماضية كانت الأكثر دموية بالنسبة للشرطة الأفغانية، بينما يندلع القتال اليوم في 18 محافظة أفغانية من بين 34، بل إن الجنود الأفغان باتوا عاجزين في مناطق عديدة من تأمين قواعدهم، فما بالك بانتزاع أراض جديدة، هذا ناهيك عن احتمال سقوط محافظة «هلمند» في أيدي «طالبان»، ومعها انهيار جنوب أفغانستان، وبيد أن الفشل العسكري ينضاف إليه العجز في تحقيق الانتقال الاقتصادي، بحيث أفادت صحيفة «واشنطن بوست» مؤخراً أن الحكومة الأفغانية مفلسة وتحتاج لحوالي 537 مليون دولار لمواصلة خدماتها بعدما أصبحت بالكاد قادرة على سداد مرتبات نصف مليون موظف حكومي خلال الشهر الجاري. ومع أن الأموال التي أُنفقت على المدارس والمستشفيات ساهمت في تحسين الخدمات التعليمية والصحية، إلا أنها تعتمد اعتماداً كلياً على التمويل الأجنبي، وبدلا من الاستثمار في القطاعات الزراعية والصناعات الأولية، ركز الاقتصاد الأفغاني على خدمة القوات الأجنبية، وفيما كانت البلاد فقيرة جداً عندما زرتها أول مرة في السبعينيات، إلا أنها كانت تحقق على الأقل اكتفاءها الذاتي في الغذاء وتصدر الفواكه والصناعة التقليدية. أما الانتقال الرابع والأخير الذي كان يفترض بأفغانستان أن تحققه فهو التخلص من التدخلات الأجنبية والقطع معها، لا سيما أنها تدخلات يخشاها مجمل الشعب الأفغاني وليس فقط «طالبان»، فقد ساهمت دول عديدة في تأجيج الحرب الأهلية خلال التسعينيات بما فيها إيران وباكستان وروسيا والهند وبلدان أخرى، وقد سبق لإدارة أوباما أن تعهدت بالتفاوض على تأمين اتفاقية لعدم التدخل تجمع بين أفغانستان والدول المجاورة دون أن يتحقق ذلك. هذه الإخفاقات كلها تضع أميركا وكرزاي أمام تركة صعبة لن يغفرها لهم التاريخ، ما يعني أنه على القادة الجدد للبلاد بذل مجهود أكبر، لا سيما وأن اتفاق تقاسم السلطة الأخير بين غني وعبد الله يستدعي أولا عقد اجتماع للويا جيرغا خلال السنتين المقبلتين لتعديل الدستور وتضمينه منصب رئيس الحكومة المستحدث، لكن وبدلا من الانتظار الأفضل أن يُعقد الاجتماع في أسرع وقت قبل الانتخابات البرلمانية المقررة في السنة المقبلة لإسباغ الغطاء الدستوري على اتفاق تقاسم السلطة، على أن يتم أيضاً مراجعة النظام الرئاسي الحالي القائم على المركزية وإصلاح المنظومة الانتخابية تفادياً للتزوير، ورغم التعهدات الكبيرة للرئيسين أوباما وكرزاي بإطلاق «عقد من التحولات الأفغانية» بدءاً من العام القادم، إلا أنه وفقط حتى لا تنهار أفغانستان من هنا وحتى 2015 يتعين على قادتها الجدد الإسراع في تغيير المسار قبل فوات الأوان. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»