أثناء فترة عملها وزيرة لخارجية بلادها تحدثت هيلاري كلينتون كثيراً عن «القوة الناعمة»، أي الاعتماد على الدبلوماسية والتنمية إلى جانب القوة العسكرية. والآن تنأى هيلاري بنفسها عن السياسة الخارجية للرئيس أوباما الذي عملت في ظل إدارته. لكن ماذا لو كانت قد أصبحت هي الرئيس عام 2009؟ وما مدى احتمال اختلاف سياستها الخارجية عن سياسة أوباما؟ هذان السؤالان أكثر من كونهما تمريناً ذهنياً، فقد تخوض هيلاري الانتخابات عام 2016 وبالتالي يريد الناخبون معرفة الإجابة عن ذينك السؤالين. من المؤكد أن هناك اختلافات في الأسلوب بين هيلاري وأوباما. فحتى أثناء الحملة الانتخابية الرئاسية كانت هيلاري أكثر حماساً للسياسة الخارجية عن أوباما، وأكثر حرصاً على إقامة علاقات مع زعماء العالم واستخدام الدبلوماسية. وهي أكثر حساسية تجاه صورة أميركا باعتبارها قوة لا غنى عنها. ورغم أنها ليست محاربة متهورة فهي أمْيل للتفكير في استخدام القوة في ظل ظروف معينة. والحقيقة أنه لم يكن من المحتمل أن تبتعد سياسات هيلاري كثيراً عن سياسات أوباما الذي عملت في حكومته. وفي الواقع ما كان لها أن تصبح أكبر ممثل دبلوماسي لأوباما وتؤدي العمل بمهارة شديدة لولا اتفاقهما في الطريقة التي يريان بها العالم ودور أميركا فيه. إنهما براجماتيان ذكيان وينتميان لتيار الوسط ويتوخيان الحيطة في عالم معقد وخياراته المتاحة محدودة. ولننظر هنا إلى بعض الملفات. فبالنسبة لإيران لم يتفق أوباما وهيلاري قط بشأنها. وقد طالبت هيلاري أيام كانت سناتوراً عن ولاية نيويورك بفرض عقوبات أشد، وأثناء المناظرات الرئاسية استولت على فكرة أوباما الخاصة بالدخول في مفاوضات دون شروط مسبقة مع الإيرانيين. وفي مذكراتها «خيارات صعبة» قالت إنها تأسف لرفض الرئيس تبني نهج أشد مع النظام الإيراني رداً على حملته الأمنية ضد الثورة الخضراء عام 2009. وفي مقابلتها في صحيفة «اتلانتيك» رفضت أي حق لإيران في تخصيب اليورانيوم. لكن الفريق الأميركي المفاوض حالياً لإيران تنازل عن بعض عمليات التخصيب في حدود يتم التفاوض بشأنها. ولو كانت هيلاري هي الرئيس لكان الأرجح أن تبرم نفس الصفقة وتتبع نهجاً مشابهاً، وكانت ستسعى أولا لاتفاق مبدئي، ثم فحص الاحتمالات في عام آخر من المفاوضات قبل التوصل إلى اتفاق نهائي. فهي مَن حرّك المحادثات الحالية. إنها وأوباما يتفقان على استراتيجية ثنائية المسار من ناحية والمشاركة من الناحية الأخرى. وهذا يعني عقوبات متواصلة تتصاعد مع فتح باب الدبلوماسية. أما في ملف «السلام العربي الإسرائيلي»، فخلاف لأوباما، تتمتع هيلاري بعلاقات وطيدة مع الأطراف الفاعلة في عملية السلام، ولديها قدرة أفضل من أوباما في التعامل مع نتنياهو، وربما تعلمت هذا من زوجها كلينتون. ولو كانت هيلاري في منصب الرئيس لحاولت أكثر من أوباما تعزيز العلاقة بنتنياهو. لكن مازال من الصعب تخيل أن هيلاري كانت ستسلك نهجاً مختلفاً في السعي لتحقيق حل الدولتين أو تحقيق نتائج مختلفة. فكيف كان لها أن تعالج أحدث المواجهات في غزة؟ في عام 2012، لعبت هيلاري دوراً مهماً في التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، لكنها على الأرجح وجدت نفسها في ذاك الوقت، مثل وزير الخارجية الحالي جون كيري ولم تحقق إنجازاً. وبشأن مصر، كانت هيلاري متحفظة بشأن جهود أوباما في إرغام مبارك على ترك السلطة سريعاً. لكن عقب الرئاسة الكارثية لمرسي كان من شبه المؤكد أنها كرئيسة للولايات المتحدة ستدعم قرار أوباما وكيري في تحسين العلاقات مع الرئيس المصري الجديد عبد الفتاح السيسي. وفيما يخص روسيا وأوكرانيا، فإن هيلاري تشتهر بتشددها تجاه روسيا. والعلاقات الأميركية مع روسيا وصلت الدرك الأسفل بعد حرب جورجيا وما تلاها من خلافات بشأن كوسوفو والدفاع الصاروخي وتوسيع «الناتو». ولو كانت هيلاري رئيساً لركزت سريعاً على نهج متشدد مع روسيا. لكن نهجها ما كان ليغير شيئاً على الأرجح. وفي مذكرة ترْكها المنصب لأوباما، سجلت عدة توصيات منها رفض دعوة من بوتين لحضور قمة رئاسية. لكن أياً من توصياتها ما كان ليغير استراتيجية بوتين. وبالنسبة لأوكرانيا، فإن وضع هيلاري في منصب أوباما في الشهور السابقة خلال مغامرة بوتين في القرم وتدخله في شؤون شرق أوكرانيا، يجعل من الصعب التنبؤ بشأن ما الذي كان بوسعها فعله لتكبد روسيا كلفة أكبر أو لتعرقل دعم بوتين للانفصاليين الأوكرانيين. واستخدام القوة العسكرية ليست حلا وارداً هنا. لذا كانت هيلاري ستلجأ مثل أوباما إلى نفس الإجراءات مثل حشد المعارضة الأوروبية وتقديم المساعدات العسكرية غير القاتلة لأوكرانيا والخطاب شديد اللهجة ومواصلة فرض العقوبات. وفي الملف السوري، أكدت هيلاري في مقابلتها المذكورة على أن «الفشل في المساعدة على بناء قوة قتالية يُعتمَد عليها معارضة للأسد ترك فجوة كبيرة ملأها الجهاديون». ولطالما كان بين هيلاري وأوباما اختلافات في النهج الذي يجب إتباعه في الحرب الأهلية السورية. وفيما يتعلق بالأسلحة الكيماوية، من المرجح أن تتفق سياسات هيلاري كثيراً من نهج أوباما. لكن لو كانت هي الرئيس لكانت أشد شكاً في نجاح اتفاق يتوسط فيه الروس لإزالة الأسلحة الكيماوية السورية. كل هذا لا يقلل من شأن مواهب هيلاري وقدراتها في السياسة الخارجية، بل يؤكد على النقطة الخاصة بحساسية دور أميركا في العالم. كما يؤكد أنه لا يوجد لكل مشكلة اليوم حل في متناول القوة العسكرية أو الدبلوماسية للولايات المتحدة أو في مقدور هيلاري. ------------ ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»