يعيش العراق أسوأ مراحله بكل ما للكلمة من معنى. والدول الأوروبية وأميركا تؤكد يومياً أن الذي يجري في العراق يجب عدم التهاون به. دماء وأشلاء، وتهجير منظّم، وظلم للمسيحيين، واستئصال ومجازر واغتيالات، وعمليات سلب ونهب. نوري المالكي يمارس نفس الطغيان، الذي كان يمارسه صدام حسين، وقد نادى كبار عقلاء العراق من الكتاب والمفكرين بأن يرعوي المالكي عن غيّه، ومن بين هؤلاء إياد جمال الدين ورشيد الخيون والشاعر عبدالرزاق عبدالواحد والعشرات غيرهم. المالكي تجاوز كل الحدود وفشل إدارياً وعسكرياً وأمنياً، ولم يعد أمامه سوى بدء الاعتراف بالمكونات السياسية والطائفية الأخرى. أميركا شنّت عمليات منظّمة لضرب مقاتلي «داعش» قرب أربيل، وذلك دفاعاً عن مصالحها كما يعبّر أوباما. المفارقة أن الدول الغربية كلها تحاول أن تساعد الجيش العراقي، لكن الخوف أن تعاد معادلة: نسلّحهم ثم تستولي «داعش» على الآليات كما فعلت بسوريا والعراق. هذه هي الخطورة، فلم يعد إلا أن تقوم أميركا بضرب «داعش» ضربات ذكية قوية موجعة تكسر شوكتها من جذورها، فلا تبقى ولا تتمدد. لقد أثبتت هذه الحركات المسلحة المتطرفة أن الجيش العراقي مهلهل غير مؤسس، وبلا تنظيم ويصعب الوثوق به في مثل هذه الأحداث وذلك بسبب الفساد والممارسات التي يقوم بها المالكي بكل سذاجة أحياناً. بوش الابن، وفي مذكراته المهمة، وحين تحدث عن المالكي وصفه بدقة، حيث قال عنه إنه مبتدئ في فن السياسة، ويقول إنه أحجم عن ممارسة الضغوط عليه، لأنه يعرف أن هناك من يقومون بفعل ذلك في الواقع، ومن هنا فقد حرص على أن يبدو بمظهر الشريك له، ومن يسدي النصائح إليه، ليمكنه من أن يكون في وضع أفضل يجعله يتخذ القرارات الصعبة! هذا كلام بوش الذي دعم المالكي تحت حجة عدم وجود بديل له آنذاك، ويصفه بهذا الاختصار المباشر بأنه مبتدئ بالسياسة، وهذا الوصف أثبته المالكي أمام العالم حين أحرج الولايات المتحدة التي أنفقت على الجيش العراقي، واستناداً إلى إحصاءات مكتب الخزانة في الكونجرس، فإن ما أنفق لحد الآن من منح إعادة الإعمار، والتي تتضمن التكاليف العسكرية والدبلوماسية والمساعدات الأخرى قد بلغ 767 مليار دولار، منذ بدء الغزو الأميركي، وهو ما يعادل 15 مليون دولار باليوم. المشكلة في العراق معقدة، والأكيد أن المالكي جزء منها، لكن هذا لا يعني أبداً التبرير الأعمى الذي يقوم به البعض تجاه الحركات الأصولية بدعوى أن ما يجري بالعراق «ثورة شعبية»، بل هو إرهاب محض، وكما عارض كاتب هذه السطور جميع الانتفاضات والتحركات التخريبية، فإنه يعارضها أيضاً في العراق، لكن مع الاهتمام بالأمن وتأسيس الحكومة الواسعة، فالولايات المتحدة قالتها، وبوضوح: «مستعدون للتدخل العسكري في العراق شرط التوافق بين الأطراف السياسية». لعل العراق ينهض من جديد فأمنه جزء لا يتجزأ من أمن الخليج وازدهاره من مصلحة كل المنطقة.. وما أجمل قول عبدالرزاق عبدالواحد عن العراق في قصيدته: «يا صبر أيوب»: يا سيدي.. يا عراق الأرض.. يا وطناً تبقى بمرآهُ عينُ اللهِ تكتحلُ لم تُشرق الشمسُ إلا من مشارقه ولم تَغِب عنه إلا وهي تبتهلُ يا أجملَ الأرضِ.. يا من في شواطئه تغفو وتستيقظ الآبادُ والأزلُ.