يوماً بعد يوم، تترسخ الرؤية بعيدة المدى للقيادة الرشيدة في الإمارات العربية المتحدة لتُقَدِم منظوراً جديداً للمساعدات الإنسانية المبنية على أسس قوية تشمل كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. ويركز هذا المنظور الجديد على مبدأين هما "التمكين" و"الاستدامة"، فإلى جانب تقديم الدعم المالي وجهود الإغاثة في أوقات الكوارث الطبيعية والأزمات والحروب، تركز مساعدات الدولة على توفير حلول مستدامة تتصدى للتحديات التي تعاني منها الدول الشقيقة والصديقة، وذلك دون أي تمييز، إذ إن مُنطَلقَ هذه المساعدات هو إنسانيّ واجتماعي وتنموي بحت. ومن بين النماذج الرائدة التي أطلقتها دولة الإمارات مؤخراً تنفيذاً لمبادرة وتوجيهات صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة حفظه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي رعاه الله، جاءت حملة "سقيا الإمارات" لتكون سقيا خير وسقيا حياة لملايين البشر. وكانت هذه الحملة الوطنية استثنائيةً بكل المقاييس حيث انطلقت خلال شهر رمضان الكريم وتجاوزت كافة التوقعات لتزود أكثر من 7 ملايين إنسان ممن يعانون من شح في الماء حول العالم بالمياه العذبة. وتؤكد هذه المبادرة الاستراتيجية أن لا شيء أهم من المياه، فهي شريان الحياة ونبع الحضارات البشرية التي نشأت وتطورت قرب شواطئ البحار وضفاف الأنهار والتجمعات المائية. وترسخ هذه الجهود ما بدأه الوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي عمل على لبناء الأفلاج وإنشاء القنوات وبناء السدود، ولتؤكّد على نهج العطاء المتأصل في إرث دولة الإمارات، والذي تمثل في الإقبال منقطع النظير من المواطنين والمقيمين والقطاعات الحكومية والخاصة للمساهمة في هذه المبادرة التي جمعت أكثر من 180 مليون درهم خلال 18 يوماً فقط. وامتداداً لحملة "سقيا الإمارات"، أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم عن تأسيس جائزة عالمية بقيمة مليون دولار أميركي لإيجاد حلول دائمة لمشكلة شح المياه حول العالم باستخدام الطاقة الشمسية لتنقية وتحلية المياه. وبذلك أصبحت دولة الإمارات، إلى جانب كونها من رواد قطاع الطاقة، في صدارة الجهود الدولية الهادفة إلى مجابهة التحديات المتعلقة بندرة المياه الصالحة للشرب في العالم. إن اهتمام قيادتنا الرشيدة بقضايا المياه ليس جديداً، فتلك المبادرات الكبيرة تأتي لتعزز وتستكمل ما أطلقته إمارة أبوظبي قبل ما يناهز ثلاث سنوات، حين شدد سيدي الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، على أهمية المياه كأحد أهم المقومات لاستدامة النمو والازدهار، حيث قال سموه إن المياه تشكل أهمية كبرى تفوق أهمية النفط بالنسبة للإمارات". وتجسيداً لذلك، أطلق سموه في عام 2012 "القمة العالمية للمياه" التي تنعقد بالتزامن مع القمة العالمية لطاقة المستقبل وتحت مظلة أسبوع أبوظبي للاستدامة الذي تستضيفه "مصدر". وقدمت قمة المياه منصةً مثاليةً يلتقي خلالها صناع القرار والخبراء ومزودو الحلول المتخصصة لبحث القضايا الملحة المتعلقة بندرة وشح المياه، كما وتسعى القمة لتوحيد الجهود الدولية لمجابهة تحديات استدامة الموارد المائية. واستجابة لدعوة الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى القيام بخطوات عملية بهدف ضمان أمن المياه، أطلقت "مصدر" برنامجاً تجريبياً لاختبار وتطوير تقنيات متقدمة وذات كفاءة عالية في استهلاك الطاقة لأغراض تحلية مياه البحر باستخدام مصادر الطاقة المتجددة. ويرمي هذا البرنامج الذي تم الإعلان عنه في عام 2013، إلى تطوير وتطبيق وتقييم تقنيات تحلية المياه عالية الكفاءة في استهلاك الطاقة والتي يمكن تشغيلها بالاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة. وشهد العام الجاري الإعلان عن منح عقود أعمال إنشاء هذا المشروع التجريبي لتحلية المياه بواسطة الطاقة الشمسية لأربع شركات عالمية رائدة، وجاء هذا الإعلان خلال مؤتمر وزاري رفيع المستوى استضافته أبوظبي بالتعاون مع الأمم المتحدة بهدف تعزيز الجهود العالمية الرامية إلى الحد من تداعيات تغير المناخ. وانطلاقاً من التزام دولة الإمارات الثابت بمبادئ التنمية المستدامة وتكريم الإنجازات التي تجسد الالتزام بمعايير الابتكار والريادة، أنشأت القيادة الحكيمة في أبوظبي في عام 2008، "جائزة زايد لطاقة المستقبل" التي تشرف على إدارتها "مصدر" لتجسد رؤية الوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ولتكون قوة حافزة على إيجاد حلول مبتكرة لمواجهة التحديات العالمية المتمثلة بتغير المناخ وأمن الطاقة والمياه واستدامة الموارد. وكرمت "جائزة زايد لطاقة المستقبل"، التي تبلغ قيمتها 4 ملايين دولار أمريكي، منذ تأسيسها أكثر من 30 مبتكراً، ومنحت جوائز تجاوزت قيمتها 18 مليون دولار، وساهمت في تحسين حياة الملايين من الناس. وفي دورة عام 2012 تم منح الجائزة للبروفيسور آشوك جادجيل، من جامعة بيركلي في كاليفورنيا، تكريماً لجهوده في تطوير محطات مياه عاملة بالأشعة فوق البنفسجية كوسيلة اقتصادية لتنقية وتطهير مياه الشرب. وبهدف تطوير التقنيات المتقدمة المتعلقة بتحفيز هطول الأمطار لمواجهة شح المياه، قامت دولة الإمارات عام 2005 وبالتعاون مع المنظمة العالمية للأرصاد الجوية بإطلاق جائزة الإمارات العربية المتحدة للتميز في تحديث علوم وتطبيقات تعديل الطقس، وتسعى الدولة حالياً إلى تطوير هذه الجائزة لتصبح منحة بحثية بما يوسع نطاق تأثيرها. ويحق لنا الافتخار والاعتزاز بمساهمات دولة الإمارات في الحد من شح المياه والعمل على إيجاد حلول فعالة لهذه القضية ذات الأبعاد الدولية والتأثيرات المباشرة على حياة البشر، حيث أشارت دراسة صادرة حديثاً عن الأمم المتحدة أن استهلاك المياه خلال القرن الماضي بلغ أكثر من ضعفي معدل النمو السكاني، وأظهرت الدراسة كذلك أنه بحلول عام 2030، سيواجه نصف سكان العالم نقصاً في إمدادات المياه نتيجة ارتفاع الطلب عليها بنسبة 40%. وإذا أخذنا في الاعتبار أن نسبة المياه الصالحة للاستهلاك البشري تبلغ 3% فقط من موارد المياه العالمية، تتضح أهمية البحث عن أفكار ومشاريع جديدة لمواكبة متطلبات النمو السكاني الكبير. لقد رسخت الإمارات العربية المتحدة مكانتها الدولية الرائدة في المساعي الرامية إلى النهوض بقطاع الطاقة المتجددة والتنمية المستدامة محلياً وعالمياً وذلك من خلال مشاريع "مصدر" والأبحاث المهمة والابتكارات العلمية في معهد مصدر، وجائزة زايد لطاقة المستقبل، ومبادرة مؤسسة "سقيا الإمارات"، وجائزة المليون دولار لإيجاد حلول دائمة لمشكلة شح المياه حول العالم. ونظراً لتقارب أهدافها، تكمّل هذه المبادرات بعضها بعضاً، وتعزز التعاون، وتكرّس تضافر الجهود بين الجهات والشركات المتخصصة في قضايا الطاقة والمياه والاستدامة في مختلف إمارات الدولة والمنطقة والعالم وذلك بهدف تحفيز العمل والتعاون لضمان مستقبلٍ آمنٍ ومزدهر للأجيال القادمة من خلال استدامة الموارد الأساسية ومواكبة متطلبات التقدم في كافة مناحي الحياة المعاصرة.