الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم يتعمد- على ما يبدو- الاستفادة في الوقت الراهن من حقيقة أن التركيز العالمي منصب على الأوضاع المتأزمة في العراق، لكن بعض التطورات الأخيرة في أوكرانيا لم تحظ يقيناً بالانتباه الذي كان يمكن أن يُوجه لها لو حدثت قبل أسبوعين من الآن. وفي نهاية الأسبوع الماضي، أماط حلف شمال الأطلسي اللثام عن صور تم التقاطها عبر الأقمار الصناعية تدعم مزاعم حكومة كييف بأن دبابات «مجهولة الهوية» عبرت الحدود الروسية إلى أوكرانيا. ومن جانبها، أنكرت روسيا أنها تورد أسلحة ومعدات إلى الجماعات الانفصالية في شرق وجنوب الجمهورية السوفييتية السابقة، بينما يقول المتمردون إنهم يحصلون على معداتهم من خلال مواجهاتهم مع القوات الأوكرانية. وبدورها أوقفت شركة «غازبروم»، عملاق الطاقة الروسية، إمدادات الغاز الطبيعي إلى أوكرانيا يوم الأحد الماضي بسبب نزاع على الأسعار مع كييف منذ وقت طويل. ووقع أيضاً انفجار في خط الأنابيب الرئيسي الذي ينقل الغاز الروسي عبر أوكرانيا إلى بقية الدول الأوروبية يوم الاثنين، الأمر الذي وصفه وزير الداخلية الأوكراني بأنه عمل إرهابي. وشهد أيضاً يوم الثلاثاء بعضاً من أشد المعارك بين قوات الأمن الأوكرانية والمتمردين الانفصاليين منذ أن بدأ الصراع في شهر أبريل الماضي بمناوشات على الحدود الروسية. وتأتي المواجهة بعد أن أسقط الانفصاليون طائرة عسكرية أوكرانية، ما أسفر عن مصرع 49 شخصاً تابعاً للجيش الأوكراني. وأدى هجوم بقذيفة من قبل قوات الحكومة الأوكرانية بالقرب من مدينة «لوهانسك» إلى مقتل صحفي تابع للتلفزيون الروسي. ويبدو أن دخان الأزمة في أوكرانيا بدأ يخبو عقب انتخاب الرئيس «بيترو بوروشينكو» الشهر الماضي، ومن جانبه، بدا أن بوتين يتراجع عن الإدلاء بتصريحات داعمة للمتمردين الانفصاليين، ويسحب القوات الروسية من المناطق الحدودية مع أوكرانيا. وقد أمر الرئيس بوتين بإحكام السيطرة على الحدود قبل أسبوعين، وأجرى اتصالات مع «بوروشينكو»، لكن إن صحّت أخبار وجود دبابات روسية في أيدي المتمردين الأوكرانيين، سيبدو الأمر وكأن موسكو تسمح على الأقل بعبور معدات عسكرية، إن لم تكن تعمل على إرسالها بصورة نشطة؛ فلا يعقل أنها لم تلاحظ أرتال السيارات المصفحة تعبر الحدود. وفي هذه الأثناء، يقول «بوروشينكو» إنه سيطرح قريباً خطة سلام شامل، ويرغب في التفاوض مع المتمردين الذين لم تلطخ أيديهم بالدماء.. ويعني ذلك أن الحكومة لن تتحدث حقيقة مع الأشخاص المنخرطين بالفعل في أعمال القتال. وإلى جانب التحكم في إمدادات الغاز إلى أوكرانيا، ربما تكون حركة التمرد قوة بمقدور موسكو إثارتها أو تهدئتها بناء على على ما تراه في مصلحتها السياسية. وفي الوقت الراهن، مع انشغال المجتمع الدولي بأزمة أخرى في الشرق الأوسط، يبدو أن «الكرملين» سيضاعف ضغوطه على كييف. ---------- يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»