كيف يستطيع أي شخص أن يجادل بأن خطة الرئيس باراك أوباما لخروج القوات العسكرية الأميركية من أفغانستان في نهاية هذا العام خاطئة؟ فمع حلول ذلك الوقت سيكون أوباما قد أمضى ثمانية أعوام من التورط العسكري في أفغانستان، بالإضافة إلى سلفه بوش الابن الذي عايش سبع سنوات ونصف من الحرب هناك. وهذه أطول حروب أميركا أمدا بفارق كبير عن الحروب الأخرى، سواء جعل المرء نقطة النهاية إنهاء العمليات القتالية لحلف شمال الأطلسي (الناتو) في ديسمبر الماضي أو بعام 2016 مع إنهاء مهمة المتابعة. المشكلة في هذه الطريقة من التفكير تتمثل في المسلّمة الأولى. فعلينا ألا ننظر إلى أفغانستان باعتبارها حرباً يتعين إنهاؤها بل شراكة يتعين استمرارها. وبالنسبة لغالبية كبيرة من الأميركيين الذين تعبوا من الحرب وغير المكترثين بمواصلة بناء أفغانستان، فليس الحافز الأفضل أن تقدم الولايات المتحدة بعد عام 2016 مساعدات متواضعة من القوة الجوية أو الخدمات الاستخباراتية التي قد تحتاجها القوات الأفغانية التي تضطلع فعلا بالدفاع عن البلاد بنسبة 95 في المئة ويموت أفرادها في سبيل هذا الهدف. لكن الحجة الأفضل يتعين أن تركز على الأمن القومي الأميركي. فبدون قواعد عسكرية في أفغانستان، فمن أين نطلق طائرات بلا طيار أو نشن غارات بالقوات الخاصة لمراقبة واستهداف، وأحياناً قتل، أي عناصر من «القاعدة» يختبؤون في شرق أفغانستان أو غرب باكستان؟ والحديث عن الشراكة بين الولايات المتحدة وأفغانستان قد يكون له وقع غريب في آذان الكثير من الأميركيين. ومن المؤكد أنها كانت شراكة غير متكافئة حتى الآن، ضخت فيها الولايات المتحدة وحلفاؤها مليارات الدولارات وتكبدت آلاف القتلى ولم يُجْزوا عن ذلك في غالب الأحوال إلا بعجرفة فيما يبدو من جانب الرئيس الأفغاني حامد كارزاي. هذا بالإضافة إلى الفساد المنتشر والمقاومة المستمرة من «طالبان». لكن هذا حدث لنا من قبل، وكوريا أقرب الأمثلة شبها بذلك. فبعد ثلاث سنوات من صراع أصابنا بالإحباط في بداية خمسينيات القرن الماضي، وصلنا إلى نتيجة متواضعة تمثلت في وقف لإطلاق النار ترك نظام الحكم في كوريا الشمالية دون تغيير. لكن شريكتنا في المسعى، كوريا الجنوبية، كان الفساد يتفشى فيها ولم يكن نظام حكمها ديمقراطياً ولم تعقد فيها انتخابات حتى ثمانينيات القرن الماضي. وبالمقارنة، فإن أفغانستان رغم كل عيوبها، أفضل كتكوين سياسي، حيث تجرى عملية انتخابية ستأتي برئيس جديد في وقت لاحق هذا الصيف يحل محل كارزاي في أول انتقال سلمي للسلطة عن طريق صناديق الانتخابات. والمرشحان المتنافسان في الشوط الثاني للانتخابات الرئاسية، وهما عبد الله عبد الله وأشرف غاني، كلاهما يتفوق في الكفاءة والنزاهة على معظم أوائل زعماء كوريا الجنوبية. ورغم كل العثرات في كوريا الجنوبية، لم نفكر عام 1953 في استراتيجية للخروج باعتبارها مقياساً أساسياً للنجاح. وكان الأمن القومي الأميركي هدفاً محورياً، واضطلعت القوات الأميركية بمهمة طويلة الأمد وغير عنيفة بصفة عامة لتحقيق هذا الهدف. وفي بداية الأمر نشرنا ما يزيد على 50 ألف جندي وقللنا تدريجياً العدد إلى 40 ألف في العقود التالية من الحرب الباردة. والعدد أقل قليلا من 30 ألف حالياً. ولحسن الحظ أنه لا أحد يطالب بقوة تقترب من هذه العدد في أفغانستان. ورغم كل مقاومة «طالبان»، فإنها أضعف بكثير من نظام الحكم في كوريا الشمالية، وأي أهداف لـ«القاعدة» قد تظهر في السنوات المقبلة ستكون صغيرة في حجمها وعددها على الأرجح. لكن أوباما لاحظ، وهو محق في ذلك، في كلمته بأكاديمية «ويست بوينت» العسكرية الأميركية، الشهر الماضي، أن الإرهاب مازال يمثل أخطر تهديد للأمن الأميركي، وأن الجماعات المنبثقة عن «القاعدة» في مناطق مثل سوريا والعراق واليمن ونيجيريا تمثل مصادر قلق خطيرة. ومازال احتمال أن تجد الجماعات الإرهابية ملاذات آمنة لها في جنوب آسيا أمراً وارداً ومن ثم فهو جدير بالاهتمام. ومن الجماعات التابعة لـ«القاعدة»، شبكة حقاني في وزيرستان الشمالية وربما جماعة «عسكر طيبة» الباكستانية التي تطمح لإشعال حرب بين الهند وباكستان. وكل هذا يظل من مصادر القلق الخطيرة. وفي مقابل ذلك التهديد، لا مفر من وجود قواعد في شرق وجنوب أفغانستان؛ قاعدة واحدة على الأقل بالتأكيد، ويفضل إقامة قاعدتين أو ثلاث. وهذه القواعد يمكن أن تقام على مسافة تتراوح بين 50 ميلا و200 ميل من المواقع التي يتعين علينا مراقبتها لتكون داخل النطاق الذي تستطيع الأنظمة الحديثة العمل فيه بغير جنود. والبدائل المقبولة الأخرى ليست واقعية على الإطلاق، مثل إطلاق طائرات بها طيارون أو بغير طيارين من حاملات طائرات في المحيط الهندي الذي يبعد أكثر من 500 ميل. ورغم كل نجاحنا ضد «القاعدة» في السنوات القليلة الماضي، وما صاحب ذلك من تراجع في معدل هجمات الطائرات بلا طيار في الآونة الأخيرة، فإنه لا يوجد أي دليل على أن هذا التهديد سيختفي بسهولة عام 2016 ليوائم رغبة أوباما في إنهاء حربين مع نهاية رئاسته في البيت الأبيض. صحيح أن إبقاء نحو ثلاثة آلاف جندي أميركي في أفغانستان بعد عام 2016، لمدة خمس أو عشر سنوات أو حتى عشرين سنة، قد يكلفنا نحو خمسة مليارات دولار في العام، وربما يسقط ضحايا أميركيون، لكن هكذا هي الحياة في عصر الإرهاب. ومقارنة مع كلفة مهمتنا في الآونة الأخيرة التي بلغت أكثر من 100 مليار دولار في العام ومئات القتلى أو ميزانية الدفاع الإجمالية التي تجاوزت 500 مليار دولار سنوياً، فإن هذا سعر يمكن تحمله مقارنة باحتمال أن تدبر «القاعدة» مرة أخرى لهجوم من ملاذ في جنوب آسيا ضد الولايات المتحدة. ـ ـ ـ ـ ــ ـ ـ ــ ـ ـ ـ ـ مايكل أوهانلون زميل بارز في معهد بروكينجز ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»