استلم، يوم الأحد الماضي، سعادة الدكتور جمال سند السويدي، مدير عام «مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية»، «جائزة البحر الأبيض المتوسط للدبلوماسية الفكرية 2014»، التي تشرف عليها «المؤسسة المتوسطية» ومقرها إيطاليا. وبذلك يكون سعادته قد أضاف فصلا جديداً في مسيرة النجاحات المتكررة له ولمركز الإمارات منذ تأسيسه في مارس من عام 1994. الجائزة، بالتأكيد، هي نقلة نوعية بكل المقاييس، خاصة في جانبين منها. الجانب الأول، السجل التاريخي للحاصلين عليها قبل سعادته، ومنهم الرئيس الأميركي باراك أوباما والملك الإسباني خوان كارلوس، ومن المثقفين الإيرانية شيرين عبادي والأديب المصري الراحل نجيب محفوظ. أما الجانب الثاني فهو المعنى الإنساني الذي تحمله هذه الجائزة، حيث تُعطى للأشخاص الذين لهم إسهاماتهم في مجال الحوارات بين الشعوب والعمل على تقليل الاختلاف بينها، وهي رسالة إنسانية عالمية أعتقد أن حاجتنا إليها اليوم أكبر من أي وقت مضى. أكتب عن هذا التكريم، وهو ليس الأول ولن يكون الأخير كما أعتقد، من وحي ما يمثله من علامة بارزة على ما وصلت إليه إسهامات الدكتور جمال السويدي الفكرية في المجتمعات الإنسانية، والتي كانت آخرها كتاب «آفاق العصر الأميركي.. السيادة والنفوذ في النظام العالمي الجديد»، وكذلك من مدى تأثير تلك الإسهامات في إثراء المجال الثقافي داخل الدولة وخارجها؛ حيث اتضح اهتمام المثقفين باقتناء كتب مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية واعتمادها كمراجع أكاديمية، وكذلك بالمناقشات التي تمت معه خلال «جولته الثقافية» التي شملت بعض الدول العربية وبريطانيا، وهناك جولة مخصصة للولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية الأخرى لمناقشة ما يحمله الكتاب من أفكار مع المثقفين هناك. وأكتب عن هذا التكريم أيضاً، وفي مخيلتي الكثير من الأرقام للكتب والدراسات الصادرة عن المركز، وفيها من الأفكار الكثير لحل القضايا التي تهم الإنسان في عالم اليوم، وبالتالي فالجائزة التي حصل عليها جاءت لتؤكد أهمية ذلك الجهد المبذول. هناك ما يعزز من استحقاق سعادة الدكتور جمال السويدي للجائزة أيضاً، وهو المكانة التي يمثلها سعادته في المجال الثقافي العربي وما يتمتع من ثقل ثقافي، وبالتالي فمن الطبيعي أن يحظى بهذا الاهتمام العالمي؛ فهو صاحب تجربة بحثية ناجحة استطاعت أن ترد للبحث العلمي في العالم العربي احترامه وتقديره بشهادة كثير من الباحثين. وكفلسفة عامة، فإن تكريم الشخصيات في أي مكان من العالم إنما هو اعتراف بالجهد المميز في خدمة القضايا التي تخص كل أفراد هذا الكون، كما أنه عبارة عن تقدير القائمين على المؤسسة لحجم العمل الذي يقوم به الشخص المكرم. ومن الناحية النظرية فكلنا ندرك مشاعر أي شخص يتم تكريمه، خاصة الذين يعطون بإخلاص وتفان، وبالتالي لا يمكن لأحد أن يستغرب حالة الفرح والسعادة التي يشعر بها المكرم، فكيف إذا كان التكريم يأتي من جهة عالمية تمثل عدداً من الدول؟ أعتقد أن التكريم في هذه الحالة يكون له مكانة خاصة. ومن الناحية العملية، كثيراً ما يتم تكريم دولة أو مؤسسة في شخص، لأنه لعب دوراً وطنياً من خلال توصيل رسالة محلية إلى العالم، وأعتقد أن رسالة مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية إلى العالم واضحة، ويمكن تلخيصها في «الحلم» باتجاه التعاون والتكامل لإيجاد الحلول للقضايا التي تواجه العالم. يُقاس نجاح المؤسسات أو الأشخاص المبدعين من خلال نوعية الإنتاجية. وفي هذا الجانب لا يختلف اثنان على نوعية إنتاج «مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية» وجودته، وهو يُقاس من ناحية المعايير الأكاديمية، وأعتقد أن معايير مركز الإمارات تضاهي المعايير العالمية. أضف إلى ذلك أن النجاح يقاس أيضاً بكم الإنجازات مقارنة بالفترات الزمنية، باعتبار ذلك هو المعيار الحقيقي لأي تكريم. ويبقى في المحصلة أن أي عمل يسهم في أن يتردد اسم الوطن في المحافل الدولية باعتباره «قصة نجاح» معيار يستحق التكريم. وأعتقد أن «مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية» بات رمزاً وطنياً في دولة الإمارات، يخدم الدولة في الداخل والخارج، وبالتالي فتكريم مؤسس المركز هو استحقاق لعمل متميز؛ لأنه استطاع صناعة صورة ذهنية لمركز بحثي ينافس المراكز العالمية لدى الرأي العام العالمي. تساند أنشطة المركز وحضوره على المسرح الثقافي العالمي على لفت انتباه أنظار العالم نحو ما يقوم به المركز من أنشطة بحثية لتطوير العمل الإنساني. فكانت هناك زيارة للرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن عندما كان رئيساً للولايات المتحدة، ووجه وقتها رسالة للعالم. كما وجهت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل رسالة سلام إلى العالم من خلال منبر المركز، وكذلك فعل مهاتير محمد. والمسألة تسير بعيداً إلى حد أن فعاليات المركز غيرت طريقة التفكير في العمل البحثي العربي من خلال الارتقاء بالمنتج وبمستوى عقل القارئ، وكذلك إعادة صياغة اهتمام الباحثين بالعمل البحثي. المركز هو أحد أبرز المعالم الحديثة لدولة الإمارات، ولا يمكن لأي سياسي أو أكاديمي يزور المنطقة ويريد مخاطبة الرأي العام أن يتجاهله. وعربياً، فالمركز سد فراغاً في البحث العلمي، بإعادة رسم آلية العمل البحثي من خلال إصداراته الرصينة التي أعادت للكتاب العربي هيبته واحترامه. والكل في العالم يتحدث عن كتبه وفعالياته، بل إن المكانة العلمية الكبيرة التي يتمتع بها مركز الإمارات حالياً جعلت العديد من المؤسسات العلمية تحرص على التعاون معه والسعي لتوقيع اتفاقيات معه، وهذا يعكس الثقة المتنامية في المركز، وما يتمتع به من قدرات بحثية مرموقة تسهم في إثراء المعرفة في العالم. معنى كل هذا أن الصورة الإيجابية لمركز الإمارات تجعله محل احترام الكثيرين وتقديرهم، وهذا ما كان واضحاً في حفل التكريم من خلال الكوكبة التي جاءت للمركز. إن مركز الإمارات يعيش هذه الأيام احتفالات عشرين عاماً على إنشائه، وعندما يتزامن ذلك مع التكريم العالمي له فهذا يضمن ازدياد مصداقيته على الساحة العالمية وترسّخ مكانته العلمية. الدكتور جمال السويدي شخصية تبهر من حولها بالأفكار المتجددة والجريئة، وهو صاحب تجربة بحثية حيوية في منطقة الشرق الأوسط، وهو شخصية تركز غالباً على المستقبل ويسبق زمنه بالتفكير في المستقبل.