بعد خمسة وثلاثين عاماً على نجاح الثورة الإسلامية الإيرانية ضد الشاه عام 1979، وتأسيس نظام ولاية الفقيه، لا يزال شبح نشوب نزاعات داخلية مسلحه ذات طابع إثني أو عرقي في الجسد الإيراني يثير قلق النظام الإيراني، وقد اعتمد نظام الولي الفقيه منذ البداية على العنف والقوة في حسم المعارضة السياسية وفي قمع مطالبات الأقليات والشعوب والقوميات غير الفارسية المطالبة بحقوقها على رغم اشتراكها في الثورة على نظام الشاه، فنصت المادة (12) من الدستور الإيراني على أن الدين الرسمي لإيران هو الإسلام والمذهب هو الجعفري الإثنا عشري. وهذه المادة تبقى غير قابلة للتغيير، ولكن على مدى العقود الماضية أدى غياب العلاقة التعاقدية المقبولة من الطرفين بين الدولة في إيران وأقلياتها المختلفة إلى خلق صراعات داخلية بين السلطة السياسية والأقليّات العرقية والدينية. وأصبح انجراف إيران إلى حرب أهلية أو إلى صراع عرقي أو طائفي هاجساً أمنياً، وأصبحت مواجهة «المخربين» أو «الإرهابيين» كما يسميهم الإعلام الإيراني الرسمي أولوية للنظام. على مدى عقود لم ينجح النظام الإيراني في خلق المواطنة لدى الأقليات العرقية والمذهبية، ولم تسعَ الدولة لتحقيق تنمية اقتصادية أو اجتماعية في مناطق الأقليات، فتعمق الشعور بالظلم والقهر من قبل الأقليات، وتصاعدت حملات محاربة «الإرهابيين»، «أعداء الله» من قبل النظام الإيراني، فقد أدانت منظمة العفو الدولية في بيان صدر الجمعة الماضية الإعدامات التي نفذتها السلطات الإيرانية في 25 يناير الماضي بحق كل من هاشم شعباني وهادي راشدي من المعلمين الأحوازيين والنشطاء في مؤسسة «الحوار» الثقافية. وذكرت المنظمة في بيانها، أن هاشم شعباني وهادي راشدي تم اعتقالهما في عام 2011 وتمت إدانتهما وحكم عليهما بالإعدام من قبل محكمة الثورة الإيرانية في 7 من يوليو 2012 بتهمة محاربة الله والرسول والإفساد في الأرض والدعاية ضد النظام، وقد تمت المصادقة على الحكم من قبل المحكمة العليا في إيران. فيما لا يزال ثلاثة آخرون عرضة لذات المصير، وهم كل من سيد مختار البوشوكة ومحمد علي عموري وسيد جابر البوشوكة، وطالبت المنظمة السلطات الإيرانية بعدم ارتكاب هذه الجريمة بحقهم وأن تهيئ لهم ظروفاً مناسبة لمحاكمتهم مجدداً. واعتبر روبرت فيسك في مقال نشر في صحيفة «الاوبزيرفر» أن «القلم في إيران أصبح أقوى من السيف، أمام تزايد جنون أجهزة الأمن بشأن خطر الانفصال، ليس في الأحواز فحسب، وإنما في بلوشستان، وكردستان إيران، وبين أقليات أخرى»، وأنه لابد أن تكون في إيران جمعية للشعراء القتلى، الشعراء الذين قتلهم النظام، مضيفاً أن الرئيس الإيراني الجديد، حسن روحاني، وصديق الغرب الجديد في إيران هو الذي صدق على الحكم بالإعدام الذي صدر في عهد سلفه، محمود أحمدي نجاد، بعدما زار الأحواز الشهر الماضي. ويقول المعلم والشاعر والناشط الثقافي هاشم شعباني في إحدى رسائله من سجنه قبل إعدامه في 25 يناير 2014، التي نشرتها عائلته: إنه لم يعد بمقدوره أن يظل صامتاً ضد «الجرائم البشعة ضد سكان الأحواز التي ارتكبتها السلطات الإيرانية، لاسيما الإعدامات التعسفية والظالمة». وخاطب في رسالة من السجن «مؤسسات حقوق الإنسان» بقوله إن كل ما كتبه كان لبث «الوعي واليقظة». وقال «لم أستخدم سلاحاً أبداً لمكافحة هذه الجرائم الفظيعة سوى قلمي». وكتب قبل إعدامه شعراً: «سبعة أسباب تكفي لأموت، لسبعة أيام وهم يصرخون بي: أنت تشن حرباً على الإله! في السبت قالوا: لأنك عربي. في الأحد: حسناً، إنك من الأحواز. في الاثنين: تذكر أنك إيراني. في الثلاثاء: أنت سخرت من الثورة المقدسة. في الأربعاء: ألم ترفع صوتك على الآخرين؟ في الخميس: أنت شاعر ومغنٍ. في الجمعة: أنت رجل، ألا يكفي كل هذا لتموت؟».