سبق أن كتبت عدداً من المقالات حول الوضع في سوريا على مدى السنتين الماضيتين، ومع مرور الوقت أصبحت أكثر اقتناعاً بأن الوضع آخذ في التدهور، وأنه بات يتجه للخروج عن السيطرة، فيما مخاوف الدول المجاورة لا تكف عن التصاعد، بحيث لم يتحسن الوضع منذ اندلاع الأزمة، بل من المرجح، حسب المؤشرات والقرائن، أن يسوء أكثر قبل أن نشهد انفراجاً في الوضع المتردي. وهذه هي الحقيقة التي لم تفد الاجتماعات الكثيرة والمحاولات الدبلوماسية المتعددة في حلحلتها أو وقف نزيف الدم السوري، ففي العاشر من الشهر الجاري استضافت لندن اجتماع دول مجموعة الثماني على مستوى وزراء الخارجية برئاسة ويليام هيج، وزير الخارجية البريطاني، الذي كرس، فيما يبدو قسطاً وافراً من وقته وجهده للموضوع السوري إدراكاً منه للمخاطر التي تمثلها الأزمة السورية ليس فقط على استقرار الشرق الأوسط، بل على الأمن والسلام الدوليين. ولم يخفِ "هيج" موقفه الواضح بشأن الموضوع السوري قائلاً: "إن الأزمة السورية هي أكبر مأساة إنسانية في القرن الحادي والعشرين"، ولأن وزير الخارجية البريطاني يزن كلماته بدقة ولا ينطق جزافاً فقد أضاف "نحن نعتقد بكل تأكيد أنه من الضروري الاستمرار، في حال تدهور الوضع أكثر، في تقديم مساعدات عملية للمعارضة السورية"، وهو موقف ينسجم مع الرأي الذي عبر عنه وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، الذي على رغم حداثة وصوله إلى المنصب إلا أنه أبدى توافقاً مع نظيره البريطاني، واستعداداً طيباً للتعاون المشترك سيراً على نهج العلاقات التقليدية التي تجمع البلدين. وفيما كان الموقف الذي اتخذته بريطانيا وفرنسا بشأن تسليح المعارضة والتسريع في إنهاء الحرب السورية متقدماً وجريئاً، ما زالت الولايات المتحدة متخوفة من تسليح المعارضة، مفضلة التركيز على المساعدات غير الفتاكة. ولكن التطورات المتلاحقة على الصعيد السوري لا تترك مجالاً للانتظار كما لا تفسح المزيد من الوقت أمام الدبلوماسية الدولية المدعوة لسرعة التدخل وإنهاء الأزمة قبل أن تستفحل وتمتد إلى الدول المجاورة، فالمشاكل التي واجهها وزراء الخارجية خلال اجتماعهم في لندن ظلت هي نفسها منذ اندلاع الثورة السورية قبل عامين، ويأتي على رأسها الموقف الروسي من الأزمة، فقد وجد الدبلوماسيون الغربيون صعوبة ملحوظة في التعامل مع بوتين بصعوبته ورفضه التعاون. ولعل ما يفسر الموقف الروسي هو خشية بوتين من مفهوم تغيير النظام، ولاسيما في ظل المشاكل الداخلية التي يعيشها وارتفاع أصوات المعارضة التي باتت أكثر قدرة على الوصول إلى الرأي العام، وأكثر من ذلك أن روسيا اليوم ليست مستعدة لفقدان مصالحها الاستراتيجية في سوريا التي تمثلها قاعدة طرطوس البحرية، ولذلك فإن من المتوقع أن تواصل موسكو تعطيلها لقرارات مجلس الأمن. أما المشكلة الثانية التي يواجهها قادة الدول الغربية، على رغم اقتناع بعضهم بضرورة تسليح المعارضة لإنهاء الأزمة ومنع تدهورها، فتتجسد في التقارير التي ترفعها الاستخبارات الغربية بشأن احتمال وصول الأسلحة إلى أيدي المتشددين، فهؤلاء خبروا الحرب في مناطق مختلقة، وهم أكثر تصميماً من غيرهم ما يفسر التقدم الذي أحرزته مثلًا "جبهة النصرة" في المناطق الشمالية لسوريا، ولكن هناك من الخبراء في الشأن السوري من يحذر من تعميم حالة صعود الإسلاميين على سوريا وسيطرة الجماعات المتطرفة على الحكم، مشيرين إلى حضارة سوريا العريقة وطبيعة المجتمع المختلف عن بقية بلدان الشرق الأوسط، تلك الطبيعة التي لا تساعد على تغلغل الفكر الديني المتطرف. غير أن التطورات الأخيرة على الساحة السورية وإعلان اندماج "جبهة النصرة" مع "القاعدة" في العراق، ثم تأكيد ولائها لأيمن الظواهري، رفع حالة التأهب في الأوساط الغربية التي زاد تخوفها من وقوع الأسلحة في أيدي قوى متشددة، يضاف إلى ذلك التوجس الغربي والإسرائيلي من الأسلحة الكيمياوية التي قد تقع أيضاً في أيدي الجماعات المتطرفة. وقد كان لافتاً في هذا السياق تحذير نتنياهو، لأوباما، خلال زيارته الأخيرة لإسرائيل من مغبة فقدان النظام السوري السيطرة على السلاح الكيمياوي، داعياً الولايات المتحدة إلى تأمين تلك الأسلحة وعدم تركها نهباً للأيدي العابثة، في إحالة على ما يبدو إلى خطر وصول الأسلحة إلى "حزب الله" اللبناني. أما الأسد الذي يمكنه إنهاء الأزمة بالتنحي، فقد اتخذ قراراً بمواصلة المعركة حتى الرمق الأخير، وخوض الحرب الدموية دون هوادة، وإن كان وصل، على رغم تفوقه العسكري، إلى طريق مسدود بعجزه عن دحر المعارضة، وهذه الأخيرة وصلت هي أيضاً إلى طريق مسدود بعدم قدرتها على إسقاط النظام، إذ حتى في ظل المكاسب التي تحققت للثوار في حلب تظل قوات الجيش الحر عاجزة عن طرد النظام نهائياً في ظل لجوئه إلى القصف الصاروخي واستخدام الطيران لدك المناطق التي سيطر عليها الثوار. والأمر نفسه سيتكرر في دمشق في حال دخلها الثوار، إذ سيجدون أمامهم قوات حكومية مسلحة جيداً تستخدم المدفعية والصواريخ لردع الثوار. وحتى بعد تحسن القدرات التسليحية للجيش السوري الحر والكتائب التابعة له بفضل تدفق الأسلحة من بعض دول المنطقة يبقى من غير المرجح تمكن الثوار من إسقاط النظام، وبسط السيطرة النهائية على دمشق، لتبقى الأزمة السورية مستمرة، ويظل العجز الدولي عن إخمادها قائماً.